فَإِنْ قِيلَ : هَذِهِ الْآيَاتُ تُثْبِتُ السُّؤَالَ الْعَامَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْعَقَائِدَ وَالْأَعْمَالَ وَهِيَ حَسَنَاتٌ وَسَيِّئَاتٌ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ :(وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) (٢٨ : ٧٨) وَفِي سُورَةِ الرَّحْمَنِ :(فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) (٥٥ : ٣٩) قُلْنَا : قَدْ أَجَابَ الْمُفَسِّرُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ أَشَرْنَا فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْأَنْعَامِ (٦ : ١٢٩) إِلَى بَعْضِهَا، وَهُوَ أَنَّ لِلْقِيَامَةِ مَوَاقِفَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْيَوْمِ وَالسُّؤَالِ وَالْجَوَابِ وَالِاعْتِذَارِ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ. وَالصَّوَابُ أَنَّ نَفْيَ السُّؤَالِ عَنِ الذَّنْبِ فِي آيَةِ الرَّحْمَنِ لَا إِشْكَالَ فِيهِ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْآيَةِ يُفَسِّرُهَا بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يُسْأَلُ أَحَدٌ عَنْ ذَنْبِهِ لِأَجْلِ أَنْ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُ وَيَمْتَازَ مِنْ غَيْرِهِ، إِذْ قَالَ بَعْدَهَا :(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) (٥٥ : ٤١) وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ، كَأَنَّهُ قِيلَ : لِمَ لَا يُسْأَلُونَ وَبِمَ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ مِنْهُمْ وَيَمْتَازُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ :(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ) وَلَا مَنْدُوحَةَ عَنْ حَمْلِ آيَةِ الْقَصَصِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَالْأَوَّلِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُذْنِبَ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ هَلْ أَذْنَبْتَ أَوْ هَلْ فَعَلْتَ كَذَا مِنَ الذُّنُوبِ ؟ أَيْ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمُ مِنْهُ بِذُنُوبِهِ وَقَدْ أَحْصَاهَا عَلَيْهِ فِي كِتَابٍ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، وَهُوَ يَجِدُ مَا


الصفحة التالية
Icon