وتوجيه النهي إلى الحرَج مع أن المرادَ نهيُه عليه الصلاة والسلام عنه إما لما مر من المبالغة في تنزيهه عليه الصلاة والسلام عن الشك فيما ذُكر فإن النهيَ عن الشيء مما يوهم إمكانَ صدورَ المنهيِّ عنه عن المنْهيّ، وإما للمبالغة في النهي فإن وقوعَ الشكِّ في صدره عليه الصلاة والسلام سببٌ لاتصافه عليه الصلاة والسلام به، والنهيُ عن السبب نهيٌ عن المسبَّب بالطريق البرهاني ونفيٌ له من أصله بالمرة كما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ ﴾ الآية، وليس هذا من قبيل لا أُرَيَنّك هاهنا فإن النهيَ هناك واردٌ على المسبب مرادٌ به النهيُ عن السبب فيكونُ المآلُ نهيَه عليه الصلاة والسلام عن تعاطي ما يُورِثُ الحرَجَ فتأملْ. وقيل : الحرجُ على حقيقته أي لا يكنْ فيك ضيقُ صدرٍ من تبليغه مخافةَ أن يكذّبوك وأن تُقصِّر في القيام بحقه فإنه عليه الصلاة والسلام كان يخاف تكذيبَ قومِه له وإعراضَهم عنه فكان يضيق صدرُه من الأداء ولا ينبسِطُ له فآمنه الله تعالى ونهاه عن المبالاة بهم، فالفاءُ حينئذ للترتيب على مضمون الجملةِ أو على الإخبار به فإن كلاًّ منهما موجبٌ للإقدام على التبليغ وزوالِ الخوفِ قطعاً وإن كان إيجابُه الثاني بواسطة الأول، وقولُه تعالى :﴿ لِتُنذِرَ بِهِ ﴾ أي بالكتاب المنزل متعلقٌ بأُنزل وما بينهما اعتراضٌ توسّط بينهما تقريراً لما قبله وتمهيداً لما بعده وحسماً لتوهم أو موردَ الشكِّ هو الإنزالُ للإنذار وقيل : متعلقٌ بالنهي فإن انتفاءَ الشكِّ في كونه منزلاً من عنده تعالى موجبٌ للإنذار به قطعاً وكذا انتفاءُ الخوفِ منهم أو العلمُ بأنه موفقٌ للقيام بحقه موجبٌ للتجاسر على ذلك. وأنت خبيرٌ بأنه لا يتأتى على التفسير الأولِ لأن تعليلَ النهي عن الشك بما ذكر من الإنذار والتذكيرِ مع إيهامه لإمكان صدورِه عنه عليه الصلاة والسلام مُشعرٌ بأن المنهيَّ عنه ليس محذوراً لذاته بل لإفضائه إلى فوات