والذي يرفع غشاوةَ الاشتباهِ عن البصائر السليمةِ أن ما في سورة ( ص ) من قوله تعالى :﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ للملائكة ﴾ الآيات، بدلٌ من قولِه :﴿ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ فيما قبله من قوله :﴿ مَا كَانَ لِىَ مِنْ عِلْمٍ بالملإ الاعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ﴾ أي بكلامهم عند اختصامِهم، ولا ريب في أن المرادَ بالملأ الأعلى الملائكةُ وآدمُ عليهم السلام وإبليسُ حسبما أطبق عليه جمهورُ المفسرين، وباختصامِهم ما جرى بينهم في شأن الخلافةِ من التقاول الذي جملتُه ما صدر عنه عليه السلام من الإنباء بالأسماء، ومن قضية البدلية وقوعُ الاختصام المذكورِ في تضاعيف ما شُرح فيه مفصّلاً من الأمر المعلّق وما علق به من الخلق والتسويةِ ونفخِ الروحِ فيه وما ترتب عليه من سجود الملائكةِ وعنادِ إبليسَ ولعنِه وإخراجِه من بين الملائكةِ وما جرى بعده من الأفعالِ والأقوالِ، وإذ ليس تمامُ الاختصامِ بعد سجود الملائكةِ وعنادِ إبليسَ ومكابرةِ إبليسَ وطردِه من البين لما عرفت من أنه أحدُ المختصمِين كما أنه ليس قبل الخلق ضرورة فإذن هو بعد نفخِ الروحِ وقبل السجودِ بأحد الطريقين المذكورين والله تعالى أعلم.
﴿ فَسَجَدُواْ ﴾ أي الملائكةُ عليهم السلام بعد الأمرِ من غير تلعثم ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ استثناءٌ متصلٌ لما أنه كان جنياً مفرداً مغموراً بألوف من الملائكة متصاً بصفاتهم فغُلّبوا عليه في ( فسجدوا ) ثم استُثنِيَ استثناءَ واحدٍ منهم، أو لأن من الملائكة جنساً يتوالدون يقال لهم : الجنُّ كما مر في سورة البقرة فقوله تعالى :﴿ لَمْ يَكُن مّنَ الساجدين ﴾ أي ممن سجد لآدمَ كلامٌ مستأنفٌ مُبينٌ لكيفية عدمِ السجود المفهومِ من الاستثناء فإن عدمَ السجودِ قد يكون للتأمل ثم يقع السجودُ، وبه عُلم أنه لم يقعْ قطُّ.
وقيل : منقطعٌ فحينئذ يكون متصلاً بما بعده أي لكنْ إبليسِ لم يكن من الساجدين. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon