وذكر بعض المحققين أن الظاهر أن يقال : ثم أمرنا الملائكة بالسجود لآدم إلا أنه عدل عن ذلك لأن الأمر بالسجود كان قبل خلق آدم عليه السلام على ما نطق به قوله تعالى :﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ ساجدين ﴾ [ الحجر : ٢٩ وص : ٧٢ ] والواقع بعد تصويره إنما هو قوله سبحانه :﴿ اسجدوا لآَدَمَ ﴾ وذلك لتعيين وقت السجدة المأمور بها قبل، والحاصل أنه سبحانه أمرهم أولاً أمراً معلقاً ثم أمرهم ثانياً أمراً منجزاً مطابقاً للأمر للأمر السابق فلذا جعله حكاية له، وفي ذلك ما لا يخفى من الاعتناء بشأن آدم عليه السلام.
﴿ فَسَجَدُواْ ﴾ أي الملائكة عليهم السلام بعد القول من غير تلعثم كلهم أجمعون ﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ استثناء متصل سواء قلنا : إن إبليس من الملائكة حقيقة أم لا، أما على الأول : فظاهر، وأما على الثاني : فلأنه لما كان جنياً مفرداً مغموراً بألوف من الملائكة متصفاً بغالب صفاتهم غلبوا عليه في ﴿ سَجَدُواْ ﴾ ثم استثنى استثناء واحد منهم.
وقيل : منقطع بناء على أنه من الجن وأنهم ليسوا من جنس الملائكة ولا تغليب، والأول هو المختار.
وذكر قوله تعالى :﴿ لَمْ يَكُن مّنَ الساجدين ﴾ أي ممن سجد لآدم عليه السلام مع أنه علم من الاستثناء عدم السجود لأن المعلوم من الاستثناء عدم العموم لا عموم العدم، والمراد الثاني أي أنه لم يصدر منه السجود مطلقاً لا معهم ولا منفرداً.
وهذا إنما يفيده التنصيص كذا قيل، ونظر فيه بأن التنصيص المذكور لا يفيد عموم الأحوال والأوقات فلا يتم ما ذكر، وتحقيق هذا المقام على ما ذكره المولى سري الدين أن يقال : إن القوم اختلفوا في أن الاستثناء من النفي إثبات أم لا، فقال الشافعي : نعم فيكون نقيض الحكم ثابتاً للمستثنى بطريق العبارة، ويوافقه ظاهر عبارة "الهداية".
وذهب طائفة من الحنفية إلى أنه بطريق الإشارة.