وعطفت جملة ﴿ صورناكم ﴾ بحرف ( ثمّ ) الدّالة على تراخي رتبة التّصوير عن رتبة الخلق، لأنّ التّصوير حالة كمال في الخلق بأن كان الإنسان على الصورة الإنسانيّة المتقنة حسناً وشرفاً، بما فيها من مشاعر الإدراك والتّدبير، سواء كان التّصوير مقارناً للخلق كما في خلق آدم، أم كان بعد الخلق بمدّة، كما في تصوير الأجنّة من عظام ولحم وعصب وعروق ومشاعر، كقوله تعالى :﴿ فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ].
وتعدية فعلي ( خلقنا ) و( صوّرنا ) إلى ضمير الخطاب ينتظم في سلك ما عاد إليه الضّمير قبله في قوله :﴿ ولقد مكناكم في الأرض ﴾ [ الأعراف : ١٠ ] الآية فالخطاب للنّاس كلّهم توطئة لقوله فيما يأتي :﴿ يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ﴾ [ الأعراف : ٢٧ ] والمقصود بالخصوص منه المشركون لأنّهم الذين سوّل لهم الشّيطان كفران هذه النّعم لقوله تعالى عقب ذلك :﴿ وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا ﴾ [ الأعراف : ٢٨ ] وقوله فيما تقدّم :﴿ اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون ﴾ [ الأعراف : ٣ ].
وأمّا تعلُّق فعلي الخلق والتّصوير بضمير المخاطبين فمراد منه أصل نوعهم الأوّل وهو آدم بقرينة تعقيبه بقوله : ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فنُزل خلق أصل نوعهم منزلةَ خلق أفراد النّوع الذين منهم المخاطبون لأنّ المقصود التّذكير بنعمة الإيجاد ليشكروا موجدهم ونظيره قوله تعالى :﴿ إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية ﴾