والحياة أشرف من الموت، وأيضاً فنضج الثمار متعلق بالحرارة، وأيضاً فسن النمو من النبات لما كان وقت كمال الحرارة كان غاية كمال الحيوان حاصلاً في هذين الوقتين، وأما وقت الشيخوخة، فهو وقت البرد واليبس المناسب للأرضية، لا جرم كان هذا الوقت أردأ أوقات عمر الإنسان، فأما بيان أن المخلوق من الأفضل أفضل فظاهر، لأن شرف الأصول يوجب شرف الفروع.
وأما بيان أن الأشرف لا يجوز أن يؤمر بخدمة الأدون فلأنه قد تقرر في العقول أن من أمر أبا حنيفة والشافعي وسائر أكابر الفقهاء بخدمة فقيه نازل الدرجة كان ذلك قبيحاً في العقول، فهذا هو تقرير لشبهة إبليس.
فنقول : هذه الشبهة مركبة من مقدمات ثلاثة.
أولها : أن النار أفضل من التراب، فهذا قد تكلمنا فيه في سورة البقرة.
وأما المقدمة الثانية : وهي أن من كانت مادته أفضل فصورته أفضل، فهذا هو محل النزاع والبحث، لأنه لما كانت الفضيلة عطية من الله ابتداء لم يلزم من فضيلة المادة فضيلة الصورة.
ألا ترى أنه يخرج الكافر من المؤمن والمؤمن من الكافر، والنور من الظلمة والظلمة من النور، وذلك يدل على أن الفضيلة لا تحصل إلا بفضل الله تعالى لا بسبب فضيلة الأصل والجوهر.
وأيضاً التكليف إنما يتناول الحي بعد انتهائه إلى حد كمال العقل، فالمعتبر بما انتهى إليه لا بما خلق منه، وأيضاً فالفضل إنما يكون بالأعمال وما يتصل بها لا بسبب المادة.
ألا ترى أن الحبشي المؤمن مفضل على القرشي الكافر.
المسألة السادسة :
احتج من قال : أنه لا يجوز تخصيص عموم النص بالقياس بأنه لو كان تخصيص عموم النص بالقياس جائزاً لما استوجب إبليس هذا الذم الشديد والتوبيخ العظيم، ولما حصل ذلك دل على أن تخصيص عموم النص بالقياس لا يجوز، وبيان الملازمة أن قوله تعالى للملائكة :﴿اسجدوا لأَدَمَ﴾ [ الأعراف : ١١ ] خطاب عام يتناول جميع الملائكة.
ثم إن إبليس أخرج نفسه من هذا العموم بالقياس.


الصفحة التالية
Icon