وهذا على أحد الأقوال في هذا البيت فقيل " لا " فيه زائدة. وقال الزجّاج : مفعولة والبخل بدل منها، وحكى الطبري عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن الرواية فيه لا البخل بخفض اللام لأن " لا " قد تتضمن جوداً إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات. ومن الأبيات التي جاءت لا فيها زائدة قول الشاعر :[ الكامل ]
افَعَنْكِ لا بَرْق كأنّ وميضه... غاب تسنمه ضرام مثقبُ
وقيل في الآية ليست لا زائدة، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد، وقيل : لما كان ﴿ ما منعك ﴾ بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها ﴿ ألا تسجد ﴾.
قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه، فكأنه قال : منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين. وروي عن ابن عباس أنه قال : لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق في النار من الطيش والخفة والاضطراب، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبيت.
قال القاضي أبو محمد : وفي كلام الطبري نظر، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس.
قال القاضي أبو محمد : قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس، وإنما خرج كلامهما نهياً عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم، فأرادا حمل الناس على الجادة. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ﴾
وقال ابن الجوزى :
قوله تعالى :﴿ ما منعك ألا تسجد ﴾


الصفحة التالية
Icon