وقال أبو السعود :
﴿ قَالَ ﴾ استئنافٌ كما سلف، والفاء في قوله تعالى :﴿ فاهبط مِنْهَا ﴾ لترتيب الأمرِ على ما ظهر من اللعين من مخالفة الأمرِ وتعليلِه بالأباطيل وإصرارِه على ذلك، أي فاهبِطْ من الجنة، والإضمار قبل ذكرِها لشهرة كونِه من سكانها قال ابن عباس رضي الله عنهما : كانوا في عدْنٍ لا في جنة الخلد، وقيل : من زمرة الملائكةِ المعزّزين فإن الخروجَ من زمرتهم هبوطٌ وأيُّ هبوط، وفي سورة الحجر :﴿ فاخرج مِنْهَا ﴾ وأما ما قيل من أن المرادَ الهبوطُ من السماء فيردّه أن وسوستَه لآدمَ عليه السلام كانت بعد هذا الطردِ فلا بد أن يُحمل على أحد الوجهين قطعاً، وتكونُ وسوستُه على الوجه الأول بطريق النداءِ من باب الجنة كما رُوي عن الحسن البصري، وقوله تعالى :﴿ فَمَا يَكُونُ لَكَ ﴾ أي فمما يصح ولا يستقيم لك ولا يليقُ بشأنك ﴿ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا ﴾ أي في الجنة أو في زمرة الملائكة. تعليلٌ للأمر بالهبوط فإن عدمَ صحةِ أن يتكبر فيها علةٌ للأمر المذكور، فإنها مكانُ المطيعين الخاشعين ولا دِلالة فيه على جواز التكبُّر في غيرها، وفيه تنبيه على أن التكبرَ لا يليق بأهل الجنةِ وأنه تعالى إنما طرده لتكبُّره لا لمجرد عصيانِه وقوله تعالى :﴿ فاخرج ﴾ تأكيدٌ للأمر بالهبوط متفرِّغٌ على علته وقوله تعالى :﴿ إِنَّكَ مِنَ الصاغرين ﴾ تعليلٌ للأمر بالخروج مُشعرٌ بأنه لتكبره، أي من الأذلاء وأهلِ الهوانِ على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبُّرك. وعن عمر رضي الله عنه ( من تواضَع لله رفع الله حكمتَه وقال : انتعش أنعشك الله، ومن تكبر وعَدا طَوْرَه وهَصَه الله إلى الأرض ). أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾