ولما كان السياق هنا للتعرف بأنه مكن لأبينا في الجنة أعظم من تمكينه لنا في الأرض بأن حباه فيها رغد العيش مقارناً لوجوده ؛ ثم حسن في قوله :﴿فكلا﴾ العطف بالفاء الدال على أن المأكول كان مع الإسكان، لم يتاخر عنه، ولا منافاة بينه وبين التعبير بالواو في البقرة، لأن مفهوم الفاء نوع داخل تحت مفهوم الواو، ولا منافاة بين النوع والجنس، وقوله :﴿من حيث شئتما﴾ بمعنى رغداً أي واسعاً، فإنه يدل على إباحة الأكل من كل شيء فيها غير المنهي عنه، وأما آية البقرة فتدل على إباحة الأكل منها في أيّ مكان كان، وهذا السياق إلى آخره مشير إلى أن من خالف أمره تعالى ثل عرشه وهدم عزه وإن كان في غاية المكنة ونهاية القوة كما أخرج من أعظم له المكنة بإسجاد ملائكته وإسكان جنته وإباحة كل ما فيها غير شجرة واحده ؛ أكد تحريمها بالنهي عن قربانها دون الاكتفاء بالنهي عن غشيانها فقال :﴿ولا تقربا﴾ أي فضلاً عن أن تتناولا ﴿هذه الشجرة﴾ مشيراً إلى شجرة بعينها أو نوعها ؛ ثم سبب عن القربان العصيان، فإن من حام حول الحمى أوشك أن يواقعه فقال :﴿فتكونا﴾ أي بسبب قربها ﴿من الظالمين﴾ أي بالأكل منها الذي هو مقصود النهي فتكونا بذلك فاعلين فعل من يمشي في الظلام ؛ ثم سبب عن ذلك بيان حال الحاسد مع المحسودين فيما سأل الإنظار بسببه، وأنه وقع على كثير من مراده واستغوى منه أمماً تجاوزوا الحد وقصر عنهم مدى العد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ١٥ ـ ١٦﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن هذه الآية مشتملة على مسائل : أحدها : أن قوله :﴿اسكن﴾ أمر تعبد أو أمر إباحة وإطلاق من حيث إنه لا مشقة فيه فلا يتعلق به التكليف.
وثانيها : أن زوج آدم هو حواء، ويجب أن نذكر أنه تعالى كيف خلق حواء، وثالثها : أن تلك الجنة كانت جنة الخلد، أو جنة من جنان السماء أو جنة من جنان الأرض.
ورابعها : أن قوله :﴿فَكُلاَ﴾ أمر إباحة لا أمر تكليف.


الصفحة التالية
Icon