قال القاضي أبو محمد : والهاء الأخيرة في ﴿ هذه ﴾ بدل من الياء في هذي أبدلت في الوقف ثم ثبتت في الوصل هاء حملاً على الوقف، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة إلا " هذه " وقرأ ابن محيصن " هذي الشجرة " على الأصل، وقوله ﴿ فتكونا ﴾ نصب في جواب النهي.
قال القاضي أبو محمد : وتعلق الناس بهذه الآية في مسألة الحظر والإباحة، وذلك أن مسألة الحظر والإباحة تكلم الناس فيها على ضربين فأما الفقهاء فدعاهم إلى الكلام فيها أنه تنزل نوازل لا توجد منصوصة في كتاب الله عز وجل ولا في سنة نبيه ولا في إجماع، ويعتم وجه استقرائها من أحد هذه الثلاثة وقياسها على ما فيها، فيرجع الناظر بعد ذلك ينظر على أي جهة يحملها من الإجازة والمنع، فقال بعضهم إذا نزل مثل هذا فنحمله على الحظر ونأخذ فيه بالشدة ونستبرىء لأنفسنا، إذ الله عز وجل قد بين لنا في كتابه جميع ما يجب بيانه وأحل ما أراد تحليله، ولم يترك ذكر هذه النازلة إلا عن قصد فاجترامنا نحن عليها لا تقتضيه الشريعة، وقال بعضهم بل نحملها على الإباحة لأن الله عز وجل قد أكمل لنا ديننا وحرم علينا ما شاء تحريمه، ولم يهمل النص على نازلة إلا وقد تركها في جملة المباح، وبعيد أن يريد في شيء التحريم ولا يذكره لنا ويدعنا في عمى الجهالة به، فإنما نحملها على الإباحة حتى يطرأ الحظر، وقال بعضهم بل نحمل ذلك على الوقف أبداً ولا نحكم فيه بحظر ولا إباحة بل نطلب فيه النظر والقياس أبداً، وذلك أنّا نجد الله عز وجل يقول في كتابه ﴿ حرم عليكم ﴾ في مواضع، ويقول ﴿ أحل لكم ﴾ في مواضع.
فدل ذلك على أن كل نازلة تحتاج إلى شرع وأمر، إما مخصوصاً بها وإما مشتملاً عليها وعلى غيرها، ولو كانت الأشياء على الحظر لما قال في شيء حرم عليكم ولو كانت على الإباحة لما قال في شيء أحل لكم.


الصفحة التالية
Icon