ومنه يعلم أن المراد باليوم المعلوم ما صرح به اللعين وهو قبل يوم النفخة الأولى بكثير، وهذا قول لم نر أحداً من المفسرين ذكره وهو الذي ارتضاه هذا الفاضل وقال : إن الخبر في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي وليس ابن مسعود ككعب الأحبار ممن يتلقى من كتب أهل الكتاب.
وأنت تعلم أنه إن صحت نسبة هذا الخبر إلى ابن مسعود ينبغي أن لا يعدل إلى القول بما يخالفه ولكن في صحة نسبته إليه رضي الله تعالى عنه عندي تردد.
وقيل : المراد به وقت يعلم الله تعالى انتهاء أجله فيه وقد أخفي عنا وكذا عن اللعين، وأوجب على هذا أن يكون قبل النفخة الثانية.
واستدل له بعضهم بأن اللعين كان مكلفاً والمكلف لا يجوز أن يعلم أجله لأنه يقدم على المعصية بقلب فارغ حتى إذا قرب أجله تاب فتقبل توبته وهذا كالإغراء على المعاصي فيكون قبيحاً.
وأجيب بأن من علم الله تعالى من حاله أنه يموت على الطهارة والعصمة كالأنبياء عليهم السلام أو على الكفر والمعاصي كإبليس وأشياعه فإن إعلامه بوقت أجله لا يكون إغراء على المعصية لأنه لا يتفاوت حاله بسبب ذلك التعريف والإعلام.
وظاهر النظم الكريم عند غير واحد أن هذه إجابة لدعائه كلاً أو بعضاً، وفي ذلك دليل لمن قال : إن دعاء الكافر قد يستجاب وهو الذي ذهب إليه الدبوسي وغيره من الفقهاء خلافاً لما نقله في "البزازية" عن البعض من أنه لا يجوز أن يقال : إن دعاء الكافر مستجاب لأنه لا يعرف الله تعالى ليدعوه، والفتوى على الأول للظاهر ولقوله ﷺ :" دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كافراً ".
وحمل الكفر على كفران النعمة لا كفران الدين خلاف الظاهر، ولا يلزم من الاستجابة المحبة والإكرام فإنها قد تكون للاستدراج.


الصفحة التالية
Icon