ويجوز أن يكون مستعملاً في الكلام بصوت مرتفع كقوله تعالى :﴿ كمَثَل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً ﴾ [ البقرة : ١٧١ ] وقوله :﴿ ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ] وقول بشّار:
نَادَيْت إنّ الحبّ أشْعَرني...
قَتْلاً وما أحدثتُ من ذَنْب
ورفع الصّوت يكون لأغراض، ومحمله هنا على أنّه صوت غضب وتوبيخ.
وظاهر إسناد النّداء إلى الله أنّ الله ناداهما بكلام بدون واسطة مَلك مرسل، مثللِ الكلام الذي كلّم الله به موسى، وهذا واقع قبل الهبوط إلى الأرض، فلا ينافي ما ورد من أن موسى هو أوّل نبيء كلّمه الله تعالى بلا واسطة، ويجوز أن يكون نداءُ آدم بواسطة أحد الملائكة.
وجملة :﴿ ألم أنهاكما ﴾ في موضع البيان لجملة ( ناداهما )، ولهذا فصلت الجملة عن التي قبلها.
والاستفهام في ﴿ ألم أنهاكما ﴾ للتّقرير والتّوبيخ، وأُولِيَ حرفَ النّفي زيادة في التّقرير، لأنّ نهي الله إياهما واقع فانتفاؤه منتفا، فإذا أدخلت أداة التّقرير وأقرّ المقرَّر بضد النّفي كان إقرارُه أقوى في المؤاخذة بموجَبه، لأنّه قد هُييء له سبيل الإنكار، لو كان يستطيع إنكاراً، كما تقدّم عند قوله تعالى :﴿ يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ﴾ الآية في سورة الأنعام ( ١٣٠ )، ولذلك اعترفا بأنّهما ظلما أنفسهما.
وعطف جملة : وأقل لكما } على جملة :﴿ أنهكما ﴾ للمبالغة في التّوبيخ، لأنّ النّهي كان مشفوعاً بالتّحذير من الشّيطان الذي هو المغري لهما بالأكل من الشّجرة، فهما قد أضاعا وصيتين.
والمقصود من حكاية هذا القول هنا تذكير الأمّة بعداوة الشيطان لأصل نوع البشر، فيعلموا أنّها عداوة بين النّوعين، فيحذروا من كلّ ما هو منسوب إلى الشّيطان ومعدود من وسوسته، فإنّه لما جُبل على الخبث والخري كان يدعو إلى ذلك بطبعه وكان لا يهنأ له بال ما دام عدوّهُ ومحسودُه في حالة حسنة.