" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
قوله :﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا ﴾ : ضررناها بالمِعْصِيَةِ، وتقدَّمَ تفسِيرُهَا في سُورةِ البقَرةِ، وأنَّها تَدُلُّ على صدور الذَّنْبِ منه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، إلاَّ أنَّا نقُولُ : هذا الذَّنْبُ إنَّمَا صَدَرَ عنه قَبْلَ النُّبُوَّةِ.
وفي قوله :﴿ قَالاَ رَّنَا ظَلَمْنَا أنْفُسنَا ﴾
فائدةٌ : حَذْف حرف النداء هنا تعظيم المُنَادَى، وتَنْزِيهُهُ.
قال مَكِّي : كَثُر نِدَاءُ الرَّبِّ بحذف " يَا " من القرآن، وعلّةُ ذلك أن في حذف " يا " من نداء الرَّب معنى التَّعْظِيم والتنزيه ؛ وذلك أنَّ النداءَ فيه طَرَف من معنى الأمر ؛ لأنَّكَ إذا قُلْتَ : يا يزيدُ فمعناه : تعالا يا زَيْدُ أدعوك يا زَيْدُ، فحُذِفَتْ " يا " من نداء الرَّبِّ ليزول معنى الأمر وينقص، لأنَّ " يا " تُؤكِّده، وتُظهرُ معناهُ، فكان في حذف " يا " الإجلال، والتعظيم، والتنزيه.
قوله :﴿ وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا ﴾ هذا شرط حُذِفَ جوابه لدلالة جواب القسم المقدَّر عليه، فإن قيل : حرف الشَّرْطِ لام التَّوْطِئَةِ للقسم مقدرة كقوله :﴿ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ﴾ [ المائدة : ٧٣ ] ويَدُلُّ على ذلك كثرةُ ورُوُدِ لامِ التَّوْطِئَةِ قبل أداة الشَّرطِ في كلامهم.
وتقدَّم إعرابُ ما بعد ذلك في البقرة. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٩ صـ ٦٥﴾
من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣) ﴾
اعترفا بالظلم جهراً، وعرفا الحكم في ذلك سِرّاً ؛ فقولهما :﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ﴾ اعتراف بالظلم من حيث الشريعة، وعرفان بأن المدارَ على الحكم من حيث الحقيقة، فَمَنْ لم يعترف بظلم الخلْق طوى الشريعة، ومن لم يعرف جريان حكم الحق فَقَدْ جَحَدَ الحقيقة، فلمَّا أقرّا بالظلم قالا :﴿ وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ ﴾ نطقا على عين التوحيد حيث لم يقولا بظلمنا خَسِرْنا، بل قالا : فَعَلْنَا فإنْ لم تغفر لنا خسرنا، فبِتَرْكِ غفرانك تخسر لارتكاب ظلمنا. أ هـ ﴿لطائف الإشارات حـ ١ صـ ٥٢٦ ـ ٥٢٧﴾