"فإن قلت : لا ريب في أن الكلام المحكي له عند صدوره عن المتكلم حالة مخصوصة تقتضي وروده على وجه خاص من وجوه النظم بحيث لو أخل بشيء من ذلك سقط الكلام عن رتبة البلاغة ألبتة فالكلام الواحد المحكي على وجوه شتى إن اقتضى الحال وروده على وجه معين من تلك الوجوه الواردة عند تلك الحكاية فذلك الوجه هو المطابق لمقتضى الحال والبالغ إلى رتبة البلاغة دون ما عداه من الوجوه ونقول حينئذ : لا يخفى أن استنظار اللعين إنما صدر عنه مرة واحدة لا غير فمقامه إن اقتضى إظهار الضراعة وترتيب الاستنظار على ما حلق به من اللعن والطرد على نهج استدعاء الجبر في مقابلة الكسر كما هو المتبادر من قوله :﴿ رَبّ فَأَنظِرْنِى ﴾ [ الحجر : ٣٦، ص : ٧٩ ] حسبما حكى عنه في السورتين فما حكى عنه ههنا يكون بمعزل من المطابقة لمقتضى الحال فضلاً عن العروج إلى معارج الإعجاز.
قلت : أجاب مولانا شيخ الإسلام عن هذا السؤال بعد أن ساقه بأن "مقام استنظاره مقتضٍ لما ذكر من إظهار الضراعة وترتيب الاستنظار على الحرمان المدلول عليه بالطرد والرجم وكذا مقام الإنظار مقتضٍ لترتيب الإخبار بالإنظار على الإستنظار، وقد طبق الكلام عليه في تينك السورتين ووفى كل من مقامي الحكاية والمحكي جميعاً حظه، وأما ههنا فحيث اقتضى مقام الحكاية مجرد الإخبار بالإستنظار والإنظار سيقت الحكاية على نهج الإيجاز والإختصار من غير تعرض لكيفية كل منهما عند المخاطبة والحوار، ولا يلزم أن لا يكون ذلك نقلاً للكلام على ما هو عليه ولا مطابقاً لمقتضى المقام.
فالذي يجب اعتباره في نقل الكلام إنما هو أصل معناه ونفس مدلوله ( الذي يفيده ) وأما كيفية الإفادة فقد تراعى وقد لا تراعى حسب الاقتضاء.
ولا يقدح في أصل الكلام تجريده عنها بل قد تراعى عند نقله كيفيات ( وخصوصات ) ( ٢ ) لم يراعها المتكلم أصلاً بل قد لا يقدر على مراعاتها.
وجميع المقالات المحكية في الآيات من ذلك القبيل وإلا لما كان الكثير منها معجزاً، وملاك الأمر في المطابقة مقام الحكاية وأما مقام المحكي فإن كان مقتضاه موافقاً لذلك وفي كل منهما حقه كما في السورتين وإلا لا كما فيما هنا" فليفهم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٨ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon