لطيفة
قال فى ملاك التأويل :
قوله تعالى :"قال أنظرنى إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين " وفى سورة الحجر وسورة ص :"قال ربك فأنظرنى إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم " فورد فى آيتى الحجر وص وزيادة الفاء فى قوله "فأنظرنى " وفى قوله "فإنك " وزيادة قوله "رب " ولم يرد ذلك فى الأعراف، فيسأل عنه ؟
وجواب ذلك والله أعلم : أن مناسبة ما تقدم كل واحدة من الآى الثلاث من الاسهاب والتأكيد أو الإيجاز ألا ترى أن مجموع الكلم الواقعة من لدن قوله فى سورة الأعراف "ولقد خلقناكم " وهو ابتداء القصة إلى قوله :"قال أنظرنى إلى يوم يبعثون " بضع وأربعون كلمة، والوارد فى الحجر من لدن قوله :"ولقد خلقنا الإنسان " إلى قوله :"قال رب فأنظرنى " بضع وسبعون كلمة وفى سورة ص من لدن قوله "إذ قال ربك " إلى الآية بضع وستون كلمه، فقد وضح ما قصد فى الأعراف من إيجاز الاخبار فى القصة وما فى السورتين بعد من الإطناب ثم إنه ورد فى سورتى الحجر وص التأكيد بكل وأجمع فى قوله :"كلهم أجمعون " ولم يرد ذلك فى الأعراف فقصد ما قلناه وتناسب الإطناب والتأكيد ولاءم ما ورد من الزيادة فى السورتين الأخيرتين ولم يكن ليناسب العكس والله أعلم بما أراد.
فإن قلت ما وجه ورود القصة الواحدة موجزة ومطولة أخرى ؟
قلت : ليحصل من ذلك الاطلاع على علىّ البلاغة وجلالة النظم وعلى فصاحة فى طرفى الإيجاز والإطناب، فإن الفصيح البليغ من البشر إن رام هذا لم يف فى الطرفين بما يريده ووضح التفاوت فى هذا بوجه.
فإن قلت فما وجه تقديم الموجز على المطول ؟ قلت : شبه ذلك بالمجمل من الكلام والمفصل وإنما يريده التفصيل بعد الإجمال فهذا الجواب منزل على الترتيب الثابت، والله سبحانه أعلم بما أراد. أ هـ ﴿ملاك التأويل صـ ١٧٨ ـ ١٧٩﴾


الصفحة التالية
Icon