قال ابن الأنباري : وقول من قال، الأيمان كناية عن الحسنات والشمائل عن السيئات قول حسن، لأن العرب تقول : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك، يريد اجعلني من المقدمين عندك ولا تجعلني من المؤخرين.
وروى أبو عبيد عن الأصمعي أنه يقال : هو عندنا باليمين أي بمنزلة حسنة، وإذا خبثت منزلته قال : أنت عندي بالشمال، فهذا تلخيص ما ذكره المفسرون في تفسير هذه الجهات الأربع.
أما حكماء الإسلام فقد ذكروا فيها وجوهاً أخرى.
أولها : وهو الأقوى الأشرف أن في البدن قوى أربعاً، هي الموجبة لقوات السعادات الروحانية، فإحداها : القوة الخالية التي يجتمع فيها مثل المحسوسات وصورها وهي موضوعة في البطن المقدم من الدماغ، وصور المحسوسات إنما ترد عليها من مقدمها، وإليه الإشارة بقوله :﴿مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾.
والقوة الثانية : القوة الوهمية التي تحكم في غير المحسوسات بالأحكام المناسبة للمحسوسات، وهي موضوعة في البطن المؤخر من الدماغ، وإليها الإشارة بقوله :﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾.
والقوة الثالثة : الشهوة وهي موضوعة في الكبد وهي من يمين البدن.
والقوة الرابعة : الغضب، وهو موضوع في البطن الأيسر من القلب، فهذه القوى الأربع هي التي تتولد عنها أحوال توجب زوال السعادات الروحانية والشياطين الخارجة ما لم تستعن بشيء من هذه القوى الأربع، لم تقدر على إلقاء الوسوسة، فهذا هو السبب في تعيين هذه الجهات الأربع، وهو وجه حقيقي شريف.
وثانيها : أن قوله :﴿لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ المراد منه الشبهات المبنية على التشبيه.
أما في الذات والصفات مثل شبه المجسمة.


الصفحة التالية
Icon