قال تعالى :﴿عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ﴾ [ ق : ١٧ ] فبين أنه حضر على هاتين الجهتين ملكان، ولم يحضر في القدام والخلف ملكان، والشيطان يتباعد عن الملك، فلهذا المعنى خص اليمين والشمال بكلمة ﴿عَنْ﴾ لأجل أنها تفيد البعد والمباينة، وأيضاً فقد ذكرنا أن المراد من قوله :﴿مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ الخيال، والوهم، والضرر الناشىء منهما هو حصول العقائد الباطلة، وذلك هو حصول الكفر، وقوله :﴿وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَائِلِهِمْ﴾ الشهوة، والغضب، والضرر الناشىء منهما هو حصول الأعمال الشهوانية والغضبية، وذلك هو المعصية، ولا شك أن الضرر الحاصل من الكفر لازم، لأن عقابه دائم.
أما الضرر الحاصل من المعصية فسهل لأنه عقابه منقطع، فلهذا السبب خص هذين القسمين بكلمة ﴿عَنْ﴾ تنبيهاً على أن هذين القسمين في اللزوم والاتصال دون القسم الأول.
والله أعلم بمراده.
المسألة الثالثة :
قال القاضي : هذا القول من إبليس كالدلالة على بطلان ما يقال : إنه يدخل في بدن ابن آدم ويخالطه، لأنه لو أمكنه ذلك لكان بأن يذكره في باب المبالغة أحق.
ثم قال تعالى حكاية عن إبليس أنه قال :﴿وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين﴾ وفيه سؤال : وهو أن هذا من باب الغيب فكيف عرف إبليس ذلك فلهذا السبب اختلف العلماء فيه فقال بعضهم كان قد رآه في اللوح المحفوظ، فقال له على سبيل القطع واليقين.


الصفحة التالية