وَالْمُرَادُ بِإِنْزَالِ مَا ذُكِرَ : أَنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ لِبَنِي آدَمَ مَادَّتَهُ مِنَ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَرِيشِ الطَّيْرِ وَالْحَرِيرِ وَغَيْرِهَا، وَعَلَّمَهُمْ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الْغَرَائِزِ وَالْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ وَسَائِلَ صُنْعِ اللِّبَاسِ مِنْهَا كَالزِّرَاعَةِ وَالْغَزْلِ وَالنَّسْجِ وَالْخِيَاطَةِ.
وَإِنَّ مِنَنَهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الصِّنَاعَاتِ عَلَى أَهْلِ هَذَا الْعَصْرِ أَضْعَافُ مِنَنِهِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ شُعُوبِ بَنِي آدَمَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ شُكْرُهُمْ لَهُ أَعْظَمَ، فَقَدْ بَلَغَ مِنْ إِتْقَانِ صِنَاعَاتِ اللِّبَاسِ أَنَّ عَاهِلَ أَلْمَانِيَّةَ الْأَخِيرَ (قَيْصَرَهَا) دَخَلَ مَرَّةً أَحَدَ مَعَامِلِ الثِّيَابِ لِيُشَاهِدَ مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ مِنَ
الْإِتْقَانِ فَجَزُّوا أَمَامَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ صُوفَ بَعْضِ أَكْبَاشِ الْغَنَمِ - وَلَمَّا انْتَهَى مِنَ التِّجْوَالِ فِي الْمَعْمَلِ وَمُشَاهَدَةِ أَنْوَاعِ الْعَمَلِ فِيهِ وَأَرَادَ الْخُرُوجَ قَدَّمُوا لَهُ مِعْطَفًا لِيَلْبَسَهُ تِذْكَارًا لِهَذِهِ الزِّيَارَةِ، وَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُ صُنِعَ مِنَ الصُّوفِ الَّذِي جَزُّوهُ أَمَامَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ - فَهُمْ قَدْ نَظَّفُوهُ فِي الْآلَاتِ الْمُنَظِّفَةِ فَغَزَلُوهُ بِآلَاتِ الْغَزْلِ فَنَسَجُوهُ بِآلَاتِ النَّسْجِ فَفَصَلُوهُ فَخَاطُوهُ فِي تِلْكَ الْفَتْرَةِ الْقَصِيرَةِ فَانْتَقَلَ فِي سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ ظَهْرِ الْخَرُوفِ إِلَى ظَهْرِ الْإِمْبِرَاطُورِ.