ولما كان كأنه قيل : لم سلطوا علينا هذا التسليط العظيم الذي لا يكاد يسلم معه أحد، قال مخففاً لأمرهم موهياً في الحقيقة لكيدهم :﴿إنا﴾ أي فعلنا ذلك لأنا بما لنا من العظمة ﴿جعلنا الشياطين﴾ أي المحترقين بالغضب البعيدين من الرحمة ﴿أولياء﴾ أي قرباء وقرناء ﴿للذين لا يؤمنون﴾ أي يجددون الإيمان، لأن بينهم تناسباً في الطباع يوجب الاتباع، وأما أولياؤنا الذين منعناهم بقوتنا منه أو فتناهم يسيراً بهم، ثم خلصناهم بلطفنا منهم فليسوا لهم بأولياء، بل هم لهم أعداء وآيتهم أنهم يؤمنون، والمعنى أنا مكناهم من مخاتلتكم بسترهم عنكم وإظهاركم لهم، فسلطناهم بذلك على من حكمنا بأنه لا يؤمن بتزيينهم لهم وتسويلهم واستخفافهم بأن ينصروهم في بعض المواطن ويوصلوهم إلى شيء من المطالب، فعلنا ذلك ليتبين الرجل الكامل - الذي يستحق الدرجات العلى ويتردد إليه الملائكة بالسلام والجنى - من غير فخذوا حذركم فإن الأمر خطر والخلاص عسر، وبعبارة أخرى : إنا سلكناكم طريقاً وجعلنا بجنبتيها أعداء يرونكم ولا ترونهم، وأقدرناهم على بعضكم، فمن سلك سواء السبيل نجا ومن شذ أسره العدو، ومن دنا من الحافات بمرافقة الشبهات قارب العدو ومن قاربه استغواه، فكلما دنا منه تمكن من أسره، وكل من تمكن من أسره بعد الخلاص فاحذروا، وعدم رؤيتنا لهم في الجملة لا يقتضي امتناع رؤيتهم على أنه قد صح تصورهم في الأجسام الكثيفة ورؤية بني آدم لهم في تلك الأجسام كالشيطان الذي رآه أبو هريره رضى الله عنه حين أمره رسول الله ﷺ بحفظ الصدقة، وكذا أبي بن كعب رضي الله عنه، وحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه في شيطان العزي معروف في السير، وكذا حديث سواد بن قارب رضى الله عنه في إرشاد رئيه من الجن له، وكذا خطر ابن مالك رضي الله عنه في مثل ذلك وغيرهما، وفي شرحي لنظمي للسيرة كثير من ذلك، وكذا حديث العفريت الذي تفلت على رسول الله صلى الله


الصفحة التالية
Icon