وقد روي عن ابن عبّاس أنّ المراد بالفاحشة في الآية التّعري في الحجّ، وإنّما محمل كلامه على أنّ التّعرّي في الحجّ من أوّل ما أريد بالفاحشة لاقصرها عليه فكأن أئمّة الشّرك قد أعدوا لأتباعهم معاذير عن تلك الأعمال ولقنوها إياهم، وجِماعها أن ينسبوها إلى آبائهم السالِفين الذين هم قدوة لخلفهم، واعتقدوا أنّ آباءهم أعلم بما في طي تلك الأعمال من مصالح لو اطّلع عليها المنكرون لعرفوا ما أنكروا، ثمّ عطفوا على ذلك أنّ الله أمر بذلك يعنون أنّ آباءهم ما رسموها من تلقاء أنفسهم، ولكنّهم رسموها بأمر من الله تعالى، ففهم منه أنّهم اعتذروا لأنفسهم واعتذروا لآبائهم، فمعنى قولهم :﴿ والله أمرنا بها ﴾ ليسَ ادّعاءَ بلوغ أمر من الله إليهم ولكنّهم أرادوا أنّ الله أمر آباءهم الذين رسموا تلك الرّسوم وسنّوها فكان أمرُ الله آباءَهم أمراً لهم، لأنّه أراد بقاء ذلك في ذريّاتهم، فهذا معنى استدلالهم، وقد أجمله إيجاز القرآن اعتماداً على فطنة المخاطبين.
وأسند الفعل والقول إلى ضمير الذين لا يؤمنون في قوله :﴿ وإذا فعلوا فاحشة قالوا ﴾ : على معنى الإسناد إلى ضمير المجموع، وقد يكون القائل غير الفاعل، والفاعل غير قائل، اعتداداً بأنّهم لما صَدّق بعضهم بعضاً في ذلك فكأنّهم فعلوه كلّهم واعتذروا عنه كلّهم.


الصفحة التالية
Icon