فأنزل الله :﴿ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً ﴾ الآية، قال ابن كثير : كانت العرب، ما عدا قريشاً، لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها.
وكانت قريش - وهم الحمس - يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوباً طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه، فلا يتملكه أحد، ومن لم يجد ثوباً جديداً، ولا أعاره أحمسي ثوباً، طاف عرياناً، وربما كانت امرأة، فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئاً ليستره بعد الستر، فتقول : اليوم يبدو... - البيت - وأكثر ما كان النساء يطفن بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر تعالى عليهم ذلك.
وذكر السيوطي في " الإكليل " عن ابن عباس أيضاً، أنه نزلت في طوافهم بالبيت عراة، رواه أبو الشيخ وغيره، قال : ففيها وجوب ستر العورة في الطواف.
تنبيهان :
الأول : ذهب المعتزلة إلى أن الإرادة مدلول الأمر، ولازمة له، والفحشاء - أعني الشرور والمعاصي - غير مأمور بها بنص الآية، فلا تكون مرادة له تعالى.
وأجاب أهل السنة بأن الأمر قد ينفك عن الإرادة، بمعنى أنه يوجد بدون الإرادة، فلا تكون الإرادة تابعة له وجوداً، ومما يوضح أن الشيء قد يؤمر به ولا يكون مراداً، أن السيد إذا أراد أن يظهر على الحاضرين عصيان عبده، يأمره بالشيء ولا يريده منه.
ومنها أن الأمر أمران :
أمر تكويني : يحصل به وجود الأشياء، وهو خطاب كن وهو تابع للإرادة، يعم جميع الكائنات. فالطاعات والمعاصي كلها مأمورة ومرادة بهذا الأمر، ولا يتعلق بهذا الأمر الطاعة والعصيان والثواب والعقاب، لأنه يتعلق بالأشياء حال العدم.


الصفحة التالية
Icon