إذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى أمر في هذه الآية بثلاثة أشياء.
أولها : أنه أمر بالقسط، وهو قول : لا إله إلا الله.
وهو يشتمل على معرفة الله تعالى بذاته وأفعاله وأحكامه، ثم على معرفة أنه واحد لا شريك له.
وثانيها : أنه أمر بالصلاة وهو قوله :﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ﴾ وفيه مباحث :
البحث الأول : أنه لقائل أن يقول :﴿أَمَرَ رَبّي بالقسط﴾ خبر وقوله :﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ أمر وعطف الأمر على الخبر لا يجوز.
وجوابه التقدير : قل أمر ربي بالقسط.
وقل : أقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين.
البحث الثاني : في الآية قولان : أحدهما : المُراد بقوله :﴿أَقِيمُواْ﴾ هو استقبال القبلة.
والثاني : أن المراد هو الإخلاص، والسبب في ذكر هذين القولين، أن إقامة الوجه في العبادة قد تكون باستقبال القبلة، وقد تكون بالإخلاص في تلك العبادة، والأقرب هو الأول، لأن الإخلاص مذكور من بعد، ولو حملناه على معنى الإخلاص، صار كأنه قال : وأخلصوا عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين، وذلك لا يستقيم.
فإن قيل : يستقيم ذلك، إذا علقت الإخلاص بالدعاء فقط.
قلنا : لما أمكن رجوعه إليهما جميعاً، لم يجز قصره على أحدهما، خصوصاً مع قوله :﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ فإنه يعم كل ما يسمى ديناً.
إذا ثبت هذا فنقول : قوله :﴿عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ﴾ اختلفوا في أن المراد منه زمان الصلاة أو مكانه والأقرب هو الأول، لأنه الموضع الذي يمكن فيه إقامة الوجه للقبلة، فكأنه تعالى بين لنا أن لا نعتبر الأماكن، بل نعتبر القبلة، فكان المعنى : وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في الصلاة إلى الكعبة وقال ابن عباس : المراد إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد فصلوا فيه، ولا يقولن أحدكم، لاأصلي إلا في مسجد قومي.