ترك العمل به في القدر الذي لا يجب ستره من الأعضاء، إجماعاً، فبقي الباقي داخلاً تحت اللفظ، وإذا ثبت أن ستر العورة واجب في الصلاة، وجب أن تفسد الصلاة عند تركه، لأن تركه يوجب ترك المأمور به، وترك المأمور به معصية، والمعصية توجب العقاب على ما شرحنا هذه الطريقة في الأصول.
المسألة الثالثة :
تمسك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في مسألة إزالة النجاسة بماء الورد.
فقالوا : أمرنا بالصلاة في قوله :﴿أَقِيمُواْ الصلاة﴾ [ الأنعام : ٧٢ ] والصلاة عبارة عن الدعاء، وقد أتى بها، والإتيان بالمأمور به يوجب الخروج عن العهدة، فمقتضى هذا الدليل أن لا تتوقف صحة الصلاة على ستر العورة، إلا أنا أوجبنا هذا المعنى عملاً بقوله تعالى :﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ﴾ ولبس الثوب المغسول بماء الورد على أقصى وجوه النظافة أخذ الزينة، فوجب أن يكون كافياً في صحة الصلاة.
وجوابنا : أن الألف واللام في قوله :﴿أَقِيمُواْ الصلاة﴾ ينصرفان إلى المعهود السابق، وذلك هو عمل الرسول ﷺ، لم قلتم أن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى في الثوب المغسول بماء الورد ؟ والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿وَكُلُواْ واشربوا﴾ فاعلم أنا ذكرنا أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من الطعام في أيام حجهم إلا القليل، وكانوا لا يأكلون الدسم، يعظمون بذلك حجهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية لبيان فساد تلك الطريقة.
والقول الثاني : أنهم كانوا يقولون أن الله تعالى حرم عليهم شيئاً مما في بطون الأنعام فحرم عليهم البحيرة والسائبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية بياناً لفساد قولهم في هذا الباب.