ثم قال تعالى في صفته :﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي بسبب الأحوال المستقبلة ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي بسبب الأحوال الماضية لأن الإنسان إذا جوز وصول المضرة إليه في الزمان المستقبل خاف وإذا تفكر فعلم أنه وصل إليه بعض ما لا ينبغي في الزمان الماضي، حصل الحزن في قلبه، لهذا السبب والأولى في نفي الحزن أن يكون المراد أن لا يحزن على ما فاته في الدنيا، لأن حزنه على عقاب الآخرة يجب أن يرتفع بما حصل له من زوال الخوف، فيكون كالمعاد وحمله على الفائدة الزائدة أولى فبين تعالى أن حاله في الآخرة تفارق حاله في الدنيا، فإنه في الآخرة لا يحصل في قلبه خوف ولا حزن ألبتة، واختلف العلماء في أن المؤمنين من أهل الطاعات هل يلحقهم خوف، وحزن عند أهوال يوم القيامة فذهب بعضهم إلا أنه لا يلحقهم ذلك، والدليل عليه هذه الآية، وأيضاً قوله تعالى :﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] وذهب بعضهم إلى أن يلحقهم ذلك الفزع لقوله تعالى :﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى﴾ [ الحج : ٢ ] أي من شدة الخوف.
وأجاب هؤلاء عن هذه الآية : بأن معناه أن أمرهم يؤل إلى الأمن والسرور، كقول الطبيب للمريض : لا بأس عليك، أي أمرك يؤل إلى العافية والسلامة، وإن كان في الوقت في بأس من علته، ثم بين تعالى أن الذين كذبوا بهذه الآيات التي يجيء بها الرسل ﴿واستكبروا﴾ أن أنفوا من قبولها وتمردوا عن التزامها ﴿فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ وقد تمسك أصحابنا بهذه الآية على أن الفاسق من أهل الصلاة، لا يبقى مخلداً في النار، لأنه تعالى بين أن المكذبين بآيات الله والمستكبرين عن قبولها، هم الذين يبقون مخلدين في النار، وكلمة ﴿هُمْ﴾ تفيد الحصر، فذلك يقتضي أن من لا يكون موصوفاً بذلك التكذيب والاستكبار، لا يبقى مخلداً في النار، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٥٧ ـ ٥٨﴾


الصفحة التالية
Icon