لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، و﴿الخياط﴾ ما يخاط به.
قال الفراء : ويقال خياط ومخيط، كما يقال إزار ومئزر ولحاف وملحف، وقناع ومقنع، وإنما خص الجمل من بين سائر الحيوانات، لأنه أكبر الحيوانات جسماً عند العرب.
قال الشاعر :
جسم الجمال وأحلام العصافير.. فجسم الجمل أعظم الأجسام، وثقب الإبرة أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل في تلك الثقبة الضيقة محالاً، فلما وقف الله تعالى دخولهم الجنة على حصول هذا الشرط، وكان هذا شرطاً محالاً، وثبت في العقول أن الموقوف على المحال محال، وجب أن يكون دخولهم الجنة مأيوساً منه قطعاً.
المسألة الثانية :
قال صاحب "الكشاف" : قرأ ابن عباس ﴿الجمل﴾ بوزن القمل، وسعيد بن جبير ﴿الجمل﴾ بوزن النغر.
وقرىء ﴿الجمل﴾ بوزن القفل، و﴿الجمل﴾ بوزن النصب، و﴿الجمل﴾ بوزن الحبل، ومعناها : القلس الغليظ، لأنه حبال جمعت وجعلت جملة واحدة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى أحسن تشبيهاً من أن يشبه بالجمل.
يعني : أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سم الإبرة، والبعير لا يناسبه.
إلا أنا ذكرنا الفائدة فيه.
المسألة الثالثة :
القائلون بالتناسخ احتجوا بهذه الآية، فقالوا : إن الأرواح التي كانت في أجساد البشر لما عصت وأذنبت، فإنها بعد موت الأبدان ترد من بدن إلى بدن، ولا تزال تبقى في التعذيب حتى أنها تنتقل من بدن الجمل إلى بدن الدودة التي تنفذ في سم الخياط، فحينئذ تصير مطهرة عن تلك الذنوب والمعاصي، وحينئذ تدخل الجنة وتصل إلى السعادة واعلم أن القول بالتناسخ باطل وهذا الاستدلال ضعيف، والله أعلم.
ثم قال تعالى :﴿وكذلك نَجْزِى المجرمين﴾ أي ومثل هذا الذي وصفنا نجزي المجرمين، والمجرمون والله أعلم ههنا هم الكافرون، لأن الذي تقدم ذكره من صفتهم هو التكذيب بآيات الله، والاستكبار عنها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٤ صـ ٦٢ ـ ٦٤﴾


الصفحة التالية
Icon