وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) ﴾
استئناف ابتدائي مسوق لتحقيق خلود الفريقين في النّار، الواقععِ في قوله :﴿ والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الأعراف : ٣٦ ] فأخبر الله بأنّه حرمهم أسباب النّجاة، فَسَدّ عليهم أبواب الخير والصّلاح، وبأنّه حرّمهم من دخول الجنّة.
وأكّد الخبر بـ ﴿ إنّ ﴾ لتأييسهم من دخول الجنّة، لدفع توهّم أن يكون المراد من الخلود المتقدّم ذكرُه الكنايةَ عن طول مدّة البقاء في النّار فإنّه ورد في مواضع كثيرة مراداً به هذا المعنى.
ووقع الإظهار في مقام الإضمار لدفع احتمال أن يكون الضّمير عائداً إلى إحدى الطّائفتين المتحاورتين في النّار، واختير من طرق الإظهار طريق التّعريف بالموصول إيذاناً بما تومىء إليه الصّلة من وجه بناءِ الخبر، أي : إنّ ذلك لأجل تكذيبهم بآيات الله واستكبارهم عنها، كما تقدّم في نظيرها السّابق آنفاً.
والسّماءُ أطلقت في القرآن على معانٍ، والأكثر أن يراد بها العوالم العليا غير الأرضيّة، فالسّماء مجموع العوالم العليا وهي مَراتب وفيها عوالم القُدس الإلهيّةُ من الملائكة والرّوحانيات الصّالحة النّافعة، ومصدرُ إفاضة الخيرات الرّوحيّة والجثمانيّة على العالم الأرضي، ومصدَرُ المقادير المقدّرة قال تعالى :﴿ وفي السماء رزقكم وما توعدون ﴾ [ الذاريات : ٢٢ ]، فالسّماء هنا مراد بها عالم القدس.