وقال ابن عطية :
﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ﴾
هذا إخبار من الله عز وجل أنه ينقي قلوب ساكني الجنة من الغل والحقد، وذلك أن صاحب الغل متعذب به ولا عذاب في الجنة، وورد في الحديث " الغل على باب الجنة كمبارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين ".
قال القاضي أبو محمد : ومعنى هذا الحديث إذا حمل على حقيقته، أن الله عز وجل يخلق جوهراً يجعله حيث يرى كمبارك الإبل، لأن الغل عرض لا يقول بنفسه، وإن قيل إن هذه استعارة وعبر عن سقوطه عن نفوسهم فهذه الألفاظ على جهة التمثيل كما تقول فلان إذا دخل على الأمير ترك نخوته بالباب ملقاة فله وجه، والأول أصوب وأجرى مع الشرع في أشياء كثيرة، مثل قوله يؤتى بالموت يوم القيامة كأنه كبش فيذبح وغير ذلك، وروى الحسن عن علي بن أبي طالب قال : فينا والله أهل بدر نزلت ﴿ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً على سرر متقابلين ﴾ [ الحجر : ٤٧ ] وروي عنه أيضاً أنه قال : فينا والله نزلت ﴿ ونزعنا ما في صدورهم من غل ﴾، وذكر قتادة : أن علياً قال : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله فيهم ﴿ ونزعنا ما في صدورهم من غل ﴾.
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو المعنى الصحيح، فإن الآية عامة في أهل الجنة، و" الغل " الحقد والإحنة الخفية في النفس وجمعه غلال ومنه الغلول أخذ في خفاء ومنه الانغلال في الشيء، ومنه المغل بالأمانة، ومنه قول علقمة بن عبدة :
سلاءة كعصا الهندي غل لها... ذو فيئة من نوى قران معجوم