والظاهر أن ﴿ تِلْكُمُ الجنة ﴾ مبتدأ وخبر وقوله سبحانه :﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ حال من الجنة والعامل فيها معنى الإشارة ويجوز أن تكون الجنة نعتاً لتلكم أو بدلاً و﴿ أُورِثْتُمُوهَا ﴾ الخبر، ولا يجوز أن يكون حالاً من المبتدأ ولا من كم كما قاله أبو البقاء وهو ظاهر، والتزم بعضهم في توجيه البعد أن ﴿ تِلْكُمُ ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هذه تلكم الجنة الموعودة لكم قبل أو مبتدأ حذف خبره أي تلك الجنة التي أخبرتم عنها أو وعدتم بها في الدنيا هي هذه ولا حاجة إليه.
والمنادى له أولاً وبالذات كونها موروثة لهم وما قبله توطئة له، والميراث مجاز عن الإعطاء أي أعطيتموها.
﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ في الدنيا من الأعمال الصالحة، والباء للسببية وتجوز بذلك عن الإعطاء إشارة إلى أن السبب فيه ليس موجباً وإن كان سبباً بحسب الظاهر كما أن الإرث ملك بدون كسب وإن كان النسب مثلاً سبباً له، والباء في قوله ﷺ على ما في بعض الكتب :" لن يدخل أحدكم الجنة بعمله " وكذا في قوله عليه الصلاة والسلام على ما في "الصحيحين" من حديث أبي هريرة وجابر " لن ينجو أحد منكم بعمله " للسبب التام فلا تعارض، وجوز أن تكون الباء فيما نحن فيه للعوض أي بمقابلة أعمالكم، وقيل : تلك الإشارة إلى منازل في الجنة هي لأهل النار لو كانوا أطاعوا جعلها الله تعالى إرثاً للمؤمنين، فقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي قال :"ما من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل ( مبين ) فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل ( لهم ) هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله تعالى ثم يقال : يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون ( فيقتسم ) أهل الجنة منازلهم"، وأنت تعلم أن القول بهذا الإرث الغريب لا يدفع الحاجة إلى المجاز.


الصفحة التالية
Icon