والتّعبير بالماضي مراد به المستقبل أيضاً كما في قوله :﴿ ونزعنا ﴾ وهذا القول يحتمل أن يكونوا يقولونه في خاصتهم ونفوسهم، على معنى التّقرب إلى الله بحمده، ويحتمل أن يكونوا يقولونه بينهم في مجامعهم.
والإشارة في قولهم :﴿ لهذا ﴾ إلى جميع ما هو حاضر من النّعيم في وقت ذلك الحمد، والهداية له هي الإرشاد إلى أسبابه، وهي الإيمان والعمل الصّالح، كما دلّ عليه قوله :﴿ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ﴾ [ الأعراف : ٤٢ ]، وقال تعالى :﴿ يهديهم ربهم بإيمانهم ﴾ [ يونس : ٩ ] الآية، وجعل الهداية لنفس النّعيم لأنّ الدّلالة على ما يوصل إلى الشّيء إنّما هي هداية لأجل ذلك الشّيء، وتقدّم الكلام على فعل الهداية وتعديته في سورة الفاتحة ( ٦ ).
والمراد بهَدْي الله تعالى إياهم إرساله محمّداً ﷺ إليهم فأيقظهم من غفلتهم فاتَّبعوه، ولم يعاندوا، ولم يستكبروا، ودلّ عليه قولهم :﴿ لقد جاءت رسل ربنا بالحق ﴾ مع ما يسّر الله لهم من قبولهم الدّعوة وامتثالهم الأمر، فإنّه من تمام المنّة المحمود عليها، وهذا التّيسير هو الذي حُرّمه المكذّبون المستكبرون لأجل ابتدائهم بالتّكذيب والاستكبار، دون النّر والاعتبار.
وجملة ﴿ وما كنا لنهتدي ﴾ في موضع الحال من الضّمير المنصوب، أي هدانا في هذه الحال حال بعدنا عن الاهتداء، وذلك ممّا يؤذن بكبر منّة الله تعالى عليهم، وبتعظيم حمدهم وتجزيله، ولذلك جاءوا بجملة الحمد مشتملة على أقصى ما تشتمل عليه من الخصائص التي تقدّم بيانها في سورة الفاتحة ( ٦ ).