وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ آجَالِ الْأُمَمِ - وَإِنْ عُرِفَتْ أَسْبَابُهُ وَسُنَنُهُ - لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّدَهُ بِالسِّنِينَ وَالْأَيَّامِ، وَهُوَ مُحَدَّدٌ فِي عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِالسَّاعَاتِ، وَلِذَلِكَ قَالَ :(فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) السَّاعَةُ : فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ أَقَلِّ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَنِ، وَالسَّاعَةُ الْفَلَكِيَّةُ اصْطِلَاحٌ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ ٢٤ جُزْءٍ مِنْ مَجْمُوعِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. أَيْ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُ كُلِّ أُمَّةٍ كَانَ عِقَابُهُمْ فِيهِ لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهُ أَقَلَّ تَأَخُّرٍ، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَتَقَدَّمُونَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يَجِيءْ، أَوْ لَا يَمْلِكُونَ طَلَبَ تَأْخِيرِهِ كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ طَلَبَ تَقْدِيمِهِ، وَقَدْ قَالُوا : إِنَّ " اسْتَقْدَمَ " وَرَدَ بِمَعْنَى قَدِمَ وَأَقْدَمَ وَتَقَدَّمَ كَمَا وَرَدَ " اسْتَجَابَ " بِمَعْنَى أَجَابَ، وَمِثْلُهُ " اسْتَأْخَرَ "، وَلَا يَمْنَعُ هَذَا كَوْنَ الْأَصْلِ فِي السِّينِ وَالتَّاءِ لِلطَّلَبِ أَوْ مَظِنَّةٍ لِلطَّلَبِ، وَالطَّلَبُ قَدْ يَكُونُ بِالْقَوْلِ وَقَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ، فَمَنْ أَتَى سَبَبَ الشَّيْءِ كَانَ طَالِبًا لَهُ بِالْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ غَافِلًا عَنِ اسْتِتْبَاعِهِ لَهُ، فَالْأُمَّةُ الَّتِي تَرْتَكِبُ أَسْبَابَ الْهَلَاكِ تَكُونُ طَالِبَةً لَهُ بِلِسَانِ حَالِهَا وَاسْتِعْدَادِهَا وَلَابُدَّ أَنْ يَأْتِيَهَا ؛ لِأَنَّ هَذَا الطَّلَبَ هُوَ الَّذِي لَا يُرَدُّ. وَمَفْهُومُ الشَّرْطِ هُنَا أَنَّ الْأُمَّةَ قَدْ تَمْلِكُ طَلَبَ تَأْخِيرِ الْهَلَاكِ قَبْلَ مَجِيءِ أَجَلِهِ، أَيْ قَبْلَ أَنْ تَغْلِبَهَا عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى إِرَادَتِهَا أَسْبَابُ الْهَلَاكِ،