وَيَكُونُ ضَبْطُهُ وَتَحْدِيدُهُ بِقَدْرِ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ بِهِ، مِثْلِ دَرَجَاتِ الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَسُنَنِ الضَّغْطِ وَالْجَذْبِ، كَكَوْنِ جَاذِبِيَّةِ الثِّقْلِ عَلَى نِسْبَةِ
مُرَبَّعِ الْبُعْدِ. وَمِمَّا يَكُونُ التَّقْدِيرُ فِيهِ بِالتَّقْرِيبِ، فَيُخْطِئُ فِيهِ الْمُقَدِّرُ وَيُصِيبُ، تَقْدِيرُ سَيْرِ الْأَمْرَاضِ الْمَعْرُوفَةِ كَالسُّلِّ الرِّئَوِيِّ، فَإِنَّ لَهُ دَرَجَاتٍ يُسْرِعُ قَطْعُ الْمَسْلُولِ لَهَا وَيُبْطِئُ بِقَدْرِ قُوَّةِ الْمَنَاعَةِ وَالْمُقَاوَمَةِ فِي جِسْمِهِ وَطُرُقِ الْمُعَالَجَةِ وَالتَّغْذِيَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ جَوْدَةِ الْهَوَاءِ وَأَشِعَّةِ الشَّمْسِ. وَكَمْ مِنْ مَرَضٍ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى إِمْكَانِ الشِّفَاءِ مِنْهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ مَعَهَا الْمُعَالَجَةُ وَهُمْ مُصِيبُونَ فِي ذَلِكَ، كَالسَّرَطَانِ الَّذِي يُمْكِنُ اسْتِئْصَالُهُ بِعَمَلِيَّةٍ جِرَاحِيَّةٍ فِي وَقْتٍ قَرِيبٍ وَيَتَعَذَّرُ فِي آخَرَ.
وَكَذَلِكَ شَأْنُ الْأُمَمِ، قَدْ يَبْلُغُ فِيهَا الْفَسَادُ دَرَجَةً تَسْتَعْصِي فِيهَا مُعَالَجَتُهُ عَلَى أَطِبَّاءِ الِاجْتِمَاعِ، وَلَكِنَّهَا إِذَا تَنَبَّهَتْ قَبْلَ انْتِشَارِ الْفَسَادِ فِيهَا، وَتَبْرِيحِهِ بِزُعَمَائِهَا وَدَهْمَائِهَا، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِيهَا مِنْ أَفْرَادِ الْمُصْلِحِينَ أَوْ جَمَاعَاتِهِمْ مَنْ يُنْقِذُهَا فَيُرْشِدُهَا إِلَى تَغْيِيرِ مَا بِأَنْفُسِهَا مِنَ الْفَسَادِ فَيُغَيِّرُ اللهُ مَا بِهَا، وَهُوَ مِنِ اسْتِئْخَارِ الْهَلَاكِ أَوْ مَنْعِهِ عَنْهَا قَبْلَ مَجِيءِ أَجَلِهَا.
وَقَدْ سَبَقَ حَكِيمُنَا الْعَرَبِيُّ ابْنُ خَلْدُونَ إِلَى الْكَلَامِ فِي آجَالِ الْأُمَمِ وَأَعْمَالِ