وأنكروا أن يكون أولئك الضّعاف والعبيد من أهل الجنّة، وذلك على سبيل الفرض، أي لو فرضوا صدق وجود جنّة، فليس هؤلاء بأهل لسكنى الجنّة لأنّهم ما كانوا يؤمنون بالجنّة، وقصدهم من هذا تكذيب النّبيء ﷺ وإظهار ما يحسبونه خَطلا من أقواله، وذلك مثل قولهم :﴿ هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد ﴾ [ سبأ : ٧ ] فجعلوا تمزّق الأجساد وفناءها دليلا على إبطال الحشر، وسكتوا عن حشر الأجساد التي لم تمزّق.
وكلّ ذلك من سوء الفهم وضعف الإدراك والتّخليط بين العاديات والعقليات.
قال ابن الكلبي :"ينادي أهل الأعراف وهم على السور يَا وليدُ بنَ المغيرة يا أبَا جهل بنَ هشام يا فلان ويا فلان" فهؤلاء من الرّجال الذين يعرفونهم بسيماهم وكانوا من أهل العزّة والكبرياء.
ومعنى ﴿ جمعكم ﴾ يحتمل أن يكون جَمْع النّاس، أي ما أغنت عنكم كثرتكم التي تعتزّون بها، ويحتمل أن يراد من الجمع المصدر بمعنى اسم المفعول.
أي ما جمعتموه من المال والثّروة كقوله تعالى :﴿ ما أغنى عني ماليه ﴾ [ الحاقة : ٢٨ ].
و( مَا ) الأولى نافية، ومعنى ﴿ ما أَغْنَى ﴾ ما أَجْزَى مصدره الغَناء بفتح الغين وبالمدّ.
والخبر مستعمل في الشّماتة والتّوقيف على الخطأ.
و( ما ) الثّانية مصدريّة، أي واستكباركم الذي مضى في الدّنيا، ووجه صوغه بصيغة الفعل دون المصدر إذ لم يقل استكباركم ليتوسّل بالفعل إلى كونه مضارِعا فيفيد أنّ الاستكبار كان دأبَهم لا يفترون عنه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾