ولما وصفوه سبحانه بالإحسان لما كشف الحال عنه من حلمه وطول أناته، سببوا عن ذلك قولهم :﴿فهل لنا من شفعاء﴾ أي في هذا اليوم، وكأنهم جمعوا الشفعاء لدخولهم في جملة الناس في الشفاعة العظمى لفصل القضاء ؛ ثم سببوا عن ذلك تحقيق كونهم لهم أي بالخصوص فقالوا ﴿فيشفعوا لنا﴾ أي سواء كانوا من شركائنا الذين كنا نتوهم فيهم النفع أو من غيرهم ليغفر لنا ما قدمنا من الجرائم ﴿أو نرد﴾ أي إن لم يغفر لنا إلى الدنيا التي هي دار العمل، والمعنى أنه لا سبيل لنا إلى الخلاص إلا أحد هذين السببين ؛ ثم سببوا عن جواب هذا الاستفهام الثاني قولهم :﴿فنعمل﴾ أي في الدنيا ﴿غير الذي كنا﴾ أي بجبلاتنا من غير نظر عقلي ﴿نعمل ﴾.
ولما كان من المعلوم عند من صدق القرآن وعلم مواقع ما فيه من الأخبار أنه لا يكون لهم شيء من ذلك، كانت نتيجته قوله :﴿قد خسروا أنفسهم﴾ أي فلا احد أخسر منهم ﴿وضل﴾ أي غاب وبطل ﴿عنهم ما كانوا﴾ أي جبلة وطبعاً، لا يمكنهم الرجوع عنه إلا عند عند رؤية البأس ﴿يفترون﴾ أي يتعمدون في الدنيا من الكذب في أمره لقصد العناد للرسل من ادعاء أن الأصنام تشفع لهم ومن غير ذلك من أكاذيبهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٣٩ ـ ٤٠﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين إزاحة العلة بسبب إنزال هذا الكتاب المُفَصَّل الموجب للهداية والرحمة، بين بعده حال من كذب فقال :﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾ والنظر ههنا بمعنى الانتظار والتوقع.
فإن قيل : كيف يتوقعون وينتظرون مع جَحدِهم له وإنكارِهم ؟
قلنا : لعل فيهم أقواماً تشككوا وتوقفوا، فلهذا السبب انتظروه وأيضاً إنهم وإن كانوا جاحدين إلا أنهم بمنزلة المنتظرين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالةَ، وقوله :﴿إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾ قال الفراء الضمير في قوله :﴿تَأْوِيلَهُ﴾ للكتاب يريد عاقبة ما وعدوا به على ألسنة الرسل من الثواب والعقاب.