وجملة : قد خسروا أنفسهم } مستأنفة استئنافاً ابتدائياً تذييلاً وخلاصة لقصّتهم، أي فكان حاصل أمرهم أنّهم خسروا أنفسهم من الآن وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.
والخسارة مستعارة لعدم الانتفاع بما يرجى منه النّفع، وقد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى :﴿ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ﴾ في سورة الأنعام، ( ١٢ ) وقوله :﴿ فأولئك الذين خسروا أنفسهم ﴾ في أوّل هذه السّورة ( ٩ ).
والمعنى : أنّ ما أقحموا فيه نفوسهم من الشّرك والتّكذيب قد تبيّن أنّه مفض بهم إلى تحقّق الوعيد فيهم، يوم يأتي تأويل ما توعّدهم به القرآن، فبذلك تحقّق أنّهم خسروا أنفسهم من الآن، وإن كانوا لا يشعرون.
وأما قوله : وضل عنهم ما كانوا يفترون } فالضّلال مستعار للعدم طريقة التّهكّم شبه عدم شفعائهم المزعومين بضلال الإبل عن أربابها تهكّماً عليهم، وهذا التّهكّم منظور فيه إلى محاكاة ظنّهم يوم القيامة المحكي عنهم في قوله قبل ﴿ قالوا ضلوا عنا ﴾ [ الأعراف : ٣٧ ].
و( مَا ) من قوله :﴿ ما كانوا يفترون ﴾ موصولة، ما صْدَقها الشّفعاء الذين كانوا يدعونهم من دون الله.
وحُذف عائد الصّلة المنصوب، أي ما كانوا يفترونه، أي يَكْذِبونه إذ يقولون ﴿ هؤلاء شفعاؤنا ﴾ [ يونس : ١٨ ]، وهم جماد لاحظَّ لهم في شؤون العقلاء حتى يشفعوا، فهم قد ضلوا عنهم من الآن ولذلك عبّر بالمضي لأنّ الضّلال المستعار للعدم متحقّق من ماضي الأزمنة. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٨ صـ ﴾