وأما قوله :﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ فالمراد من هذا الطمع اليقين ألا ترى أنه تعالى قال حكاية عن إبراهيم عليه السلام :﴿والذى أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيئَتِى يَوْمَ الدين﴾ [ الشعراء : ٨٢ ] وذلك الطمع كان طمع يقين، فكذا ههنا.
فهذا تقرير قول من يقول أن أصحاب الأعراف هم أشراف أهل الجنة.
والقول الثاني : وهو قول من يقول أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب والقائلون بهذا القول ذكروا وجوهاً : أحدها : أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلا جرم ما كانوا من أهل الجنة ولا من أهل النار فأوقفهم الله تعالى على هذه الأعراف لكونها درجة متوسطة بين الجنة وبين النار ثم يدخلهم الله تعالى الجنة بفضله ورحمته وهم آخر قوم يدخلون الجنة، وهذا قول حذيفة وابن مسعود رضي الله عنهما واختيار الفراء، وطعن الجبائي والقاضي في هذا القول واحتجوا على فسادّه بوجهين : الأول : أن قالوا إن قوله تعالى :﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ] يدل على أن كل من دخل الجنة فإنه لا بد وأن يكون مستحقاً لدخولها، وذلك يمنع من القول بوجود أقوام لا يستحقون الجنة ولا النار، ثم إنهم يدخلون الجنة بمحض التفضل لا بسبب الاستحقاق.
وثانيهما : إن كونهم من أصحاب الأعراف يدل على أنه تعالى ميزهم من جميع أهل القيامة بأن أجلسهم على الأماكن العالية المشرفة على أهل الجنة، وأهل النار، وذلك تشريف عظيم، ومثل هذا التشريف لا يليق إلا بالأشراف ولا شك أن الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم فدرجتهم قاصرة، فلا يليق بهم ذلك التشريف.
والجواب عن الأول : أنه يحتمل أن يكون قوله :﴿وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا﴾ خطاب مع قوم معينين، فلم يلزم أن يكون لكل أهل الجنة كذلك.


الصفحة التالية
Icon