﴿ ثُمَّ استوى عَلَى العرش ﴾ وهو في المشهور الجسم المحيط بسائر الأجسام وهو فلك الأفلاك سمي به إما لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك فإنه يقال له عرش ومنه قوله تعالى :﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش ﴾ [ يوسف : ١٠٠ ] لأن الأمور والتدبيرات تنزل منه، ويكنى به عن العز والسلطان والملك فيقال : فلان ثل عرشه أي ذهب عزه وملكه وأنشدوا قوله :
إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم...
وأودت كما أودت إياد وحمير
وقوله :
إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم...
بعيينة بن الحرث بن شهاب
وذكر الراغب "أن العرش مما لا يعلمه البشر ( على الحقيقة ) إلا بالاسم، وليس هو كما تذهب إليه أوهام العامة فإنه لو كان كذلك لكان حاملاً له تعالى عن ذلك ( لامحمولاً ) ( ١ )، و( ليس كما ) قال قوم : إنه الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب" وفيه نظر، والناس في الكلام على هذه الآية ونحوها مختلفون، فمنهم من فسر العرش بالمعنى المشهور، وفسر الاستواء بالاستقرار وروي ذلك عن الكلبي ومقاتل ورواه البيهقي في كتابه "الأسماء والصفات" بروايات كثيرة عن جماعة من السلف وضعفها كلها.
وما روي عن مالك رضي الله تعالى عنه "أنه سئل كيف استوى؟ فأطرق رأسه ملياً حتى علته الرحضاء ثم رفع رأسه فقال : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ثم قال للسائل : وما أظنك إلا ضالاً ثم أمر به فأخرج" ليس نصاً في هذا المذهب لاحتمال أن يكون المراد من قوله : غير مجهول أنه ثابت معلوم الثبوت لا أن معناه وهو الاستقرار غير مجهول.
ومن قوله : والكيف غير معقول أن كل ما هو من صفة الله تعالى لا يدرك العقل له كيفية لتعاليه عن ذلك فكف الكيف عنه مشلولة.


الصفحة التالية
Icon