وخص العرش بالإخبار عنه بالاستيلاء عليه لأنه أعظم المخلوقات، ورد هذا المذهب بأن العرب لا تعرف استوى بمعنى استولى وإنما يقال استولى فلان على كذا إذا لم يكن في ملكه ثم ملكه واستولى عليه والله تعالى لم يزل مالكاً للأشياء كلها ومستولياً عليها ونسب ذلك للأشعرية.
وبالغ ابن القيم في ردهم ثم قال : إن لام الأشعرية كنون اليهودية وهو ليس من الدين القيم عندي.
وذهب الفراء واختاره القاضي إلى أن المعنى ثم قصد إلى خلق العرش، ويبعده تعدي الاستواء بعلي، وفيه قول بأن خلق العرش بعد خلق السموات والأرض وهو كما ترى، وذهب القفال إلى أن المراد نفاذ القدرة وجريان المشيئة واستقامة الملك لكنه أخرج ذلك على الوجه الذي ألفه الناس من ملوكهم واستقر في قلوبهم، قيل : ويدل على صحة ذلك قوله سبحانه في سورة يونس ( ٣ ) ﴿ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُدَبّرُ الأمر ﴾ فإن ﴿ يُدَبّرُ الأمر ﴾ جرى مجرى التفسير لوقله :﴿ استوى عَلَى العرش ﴾ وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى، وذكر أن القفال يفسر العرش بالملك ويقول ما يقول، واعترض بأن الله تعالى لم يزل مستقيم الملك مستوياً عليه قبل خلق السموات والأرض وهذا يقتضي أنه سبحانه لم يكن كذلك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وأجيب بأن الله تعالى كان قبل خلق السموات والأرض مالكها لكن لا يصح أن يقال : شبع زيد إلا بعد أكله الطعام فإذا فسر العرش بالملك صح أن يقال : إنه تعالى إنما استوى ملكه بعد خلق السموات والأرض، ومنهم من يجعل الإسناد مجازياً ويقدر فاعلاً في الكلام أي استوى أمره ولا يضر حذف الفاعل إذا قام ما أضيف إليه مقامه، وعلى هذا لا يكون الاستواء صفة له تعالى وليس بشيء.
ومن فسره بالاستيلاء أرجعه إلى صفة القدرة.


الصفحة التالية
Icon