والقول بأن معنى الآية أنه سبحانه يجعل الليل أغشى بالنهار أي مبيضاً بنور الفجر بناء على ما في "الصحاح" من أن الأغشى من الخيل وغيره ما ابيض رأسه كله من بين جسده كالأرخم مما لا يكاد يقدم عليه، وذكر سبحانه أحد الأمرين ولم يذكرهما معاً كما في قوله تعالى :﴿ يُولِجُ الليل فِى النهار وَيُولِجُ النهار فِى الليل ﴾
[ فاطر : ١٣ ] للعلم بالآخر من المذكور لأنه يشير إليه أو لأن اللفظ يحتمله على ما قيل، وقال بعض المحققين : إن الليل والنهار بمعنى كل ليل ونهار وهو بتعاقب الأمثال مستمر الاستبدال فيدل على تغيير كل منهما بالآخر بأخصر عبارة من غير تكلف ومخالفة لما اشتهر من قواعد العربية.
وجملة ﴿ يُغْشِى ﴾ على ما قاله ابن جنى على قراءة حميد حال من الضمير في قوله سبحانه :﴿ ثُمَّ استوى ﴾ والعائد محذوف أي : يغشي الليل النهار بأمره أو باذنه، وقوله جل وعلا :﴿ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا ﴾ بدل من ﴿ يُغْشِى ﴾ الخ للتوكيد.
وعلى قراءة الجماعة حال من ﴿ الليل ﴾ أي يغشي الليل النهار طالباً له حثيثاً، و﴿ حَثِيثًا ﴾ حال من الضمير في ﴿ يَطْلُبُهُ ﴾ وجوز غيره أن تكون الجملة حالا من ﴿ النهار ﴾ على تقدير قراءة حميد أيضاً.
وجوز أبو البقاء الاستئناف في الجملة الأولى.
وقال بعضهم : يجوز في ﴿ حَثِيثًا ﴾ أن يكون حالاً من الفاعل بمعنى حاثاً أو من المفعول أي محثوثاً، وأن يكون صفة مصدر محذوف أي طلباً حثيثاً، وإنما وصف الطلب بذلك لأن تعاقب الليل والنهار على ما قال الإمام وغيره إنما يحصل بحركة الفلك الأعظم وهى أشد الحركات سرعة فإن الإنسان إذا كان في أشد عدوه بمقدار رفع رجله ووضعها يتحرك الفلك ثلاثة آلاف ميل وهي ألف فرسخ.