وتاسعها : أن الأجسام متماثلة فاختصاص بعضها بالصفات التي لأجلها كانت سموات وكواكب، والبعض الآخر بالصفات التي لأجلها كانت أرضاً أو ماء أو هواء أو ناراً لا بد وأن يكون أمراً جائزاً، وذلك لا يحصل إلا بتقدير مقدر وتخصيص مخصص وهو المطلوب.
وعاشرها : أنه كما حصل الامتياز المذكور بين الأفلاك والعناصر فقد حصل أيضاً مثل هذا الامتياز بين الكواكب وبين الأفلاك وبين العناصر، بل حصل مثل هذا الامتياز بين كل واحد من الكواكب، وذلك يدل على الافتقار إلى الفاعل القادر المختار.
واعلم أن الخلق عبارة عن التقدير، فإذا دللنا على أن الأجسام متماثلة وجب القطع بأن كل صفة حصلت لجسم معين، فإن حصول تلك الصفة ممكن لسائر الأجسام، وإذا كان الأمر كذلك كان اختصاص ذلك الجسم المعين بتلك الصفة المعينة خلقاً وتقديراً فكان داخلاً تحت قوله سبحانه ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض﴾، والله أعلم.
المسألة الثالثة :
لسائل أن يسأل فيقول : كون هذه الأشياء مخلوقة في ستة أيام لا يمكن جعله دليلاً على إثبات الصانع ؟ وبيانه من وجوه : الأول : أن وجه دلالة هذه المحدثات على وجود الصانع هو حدوثها أو إمكانها أو مجموعهما فأما وقوع ذلك الحدوث في ستة أيام أو في يوم واحد فلا أثر له في ذلك ألبتة.
والثاني : أن العقل يدل على أن الحدوث على جميع الأحوال جائز، وإذا كان كذلك فحينئذ لا يمكن الجزم بأن هذا الحدوث وقع في ستة أيام إلا بأخبار مخبر صادق، وذلك موقوف على العلم بوجود الإله الفاعل المختار، فلو جعلنا هذه المقدمة مقدمة في إثبات الصانع لزم الدور.
والثالث : أن حدوث السموات والأرض دفعة واحدة أدل على كمال القدرة والعلم من حدوثها في ستة أيام.