وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ اعلم أن الاستواء ورد على معان اشترك لفظه فيها، فجاء بمعنى الإستقرار ومنه :﴿ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِي ﴾، وبمعنى القصد ومنه :
﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾، وكل من فرغ من أمر وقصد لغيره فقد استوى له، وإليه قال الفراء : تقول العرب : استوى إليّ يخاصمني، أي : أقبل عليّ، ويأتي بمعنى الاستيلاء، قال الشاعر :
~قد استوى بشر على العراق
وقال آخر :
~فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ويأتي بمعنى العلو، ومنه آية :﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْك ﴾ ومنه هذه الآية.
قال البخاري في آخر " صحيحه "، في كتاب الرد على الجهمية، في باب قوله تعالى :﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ﴾ قال مجاهد : استوى، علا على العرش. انتهى.
وفي كتاب " العلو " للحافظ الذهبي قال إسحاق بن راهويه : سمعت غير واحد من المفسرين يقول :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ أي : ارتفع.
ونقل ابن جرير عن الربيع بن أنس أنه بمعنى ارتفع، وقال : إنه في كل مواضعه بمعنى علا وارتفع، وأقول : لا حجة إلى الإستكثار من ذلك، فإن الاستواء غير مجهول، وإن كان الكيف مجهولاً.
روى الإمام أحمد بن حنبل في كتابه " الرد على الجهمية " عن شريح بن النعمان، عن عبد الله بن نافع قال : قال مالك بن أنس : الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه شيء.
وروى البيهقي عن ابن وهب قال : كنت عند مالك، فدخل رجل فقال : يا أبا عبد الله ! :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ كيف استوى ؟ فأطرق مالك، وأخذته
الرُّحَضَاء، ثم رفع رأسه فقال :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ كما وصف نفسه، ولا يقال : كيف و كيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة.


الصفحة التالية
Icon