فصل : وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحرورية : إن معنى قوله :﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ أنه استولى وملك وقهر، وأن الله عز وجل في كل مكان، وجحدوا أن يكون الله على عرشه، كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، فلو كان هذا كما ذكروه، كان لا فرق بين العرش والأرض السابعة، لأن الله قادر على كل شيء، فالله قادر على الأرض، وعلى الحشوش، وعلى كل ما في العالم.
فلو كان الله مستوياً على العرش بمعنى الإستيلاء، وهو
عز وجل مستول على الأشياء كلها، لكان مستوياً على العرش، وعلى الأرض، وعلى السماء، وعلى الحشوش والأقذار لأنه قادر على كل الأشياء، مستول عليها، وإذا كان قادراً على الأشياء كلها، ولم يجز عند أحد من المسلمين أن يقول إن الله مستو على الحشوش والأخلية، لم يجز أن يكون الإستواء على العرش الإستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، وجب أن يكون معنى الإستواء يختص العرش دون الأشياء كلها.
وذكر دلالات من القرآن والحديث والإجماع والعقل. انتهى.
قلت : وكلام أبي الحسن الأشعري الأخير مأخوذ من كتاب رد الإمام أحمد على الجهمية، حيث قال في كتابه المذكور :
ومما أنكرت الجهمية الضُّلال أن يكون الله سبحانه على العرش، فقلنا لِمَ
أنكرتم ذلك ؟ إن الله سبحانه على العرش، وقد قال سبحانه
﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾، وقال :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ﴾، قالوا : هو تحت الأرضين السابعة كما هو على العرش، فهو على العرش، وفي السموات، وفي الأرض، وفي كل مكان، لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان.
وتلَوا آيات من القرآن :﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ﴾