وأما السؤال الثالث : فجوابه أن المقصود منه أنه سبحانه وتعالى وإن كان قادراً على إيجاد جميع الأشياء دفعة واحدة لكنه جعل لكل شيء حداً محدوداً ووقتاً مقدراً، فلا يدخله في الوجود إلا على ذلك الوجه، فهو وإن كان قادراً على إيصال الثواب إلى المطيعين في الحال، وعلى إيصال العقاب إلى المذنبين في الحال، إلا أنه يؤخرهما إلى أجل معلوم مقدر، فهذا التأخير ليس لأجل أنه تعالى أهمل العباد بل لما ذكرنا أنه خص كل شيء بوقت معين لسابق مشيئته فلا يفتر عنه، ويدل على هذا قوله تعالى في سورة ق :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ [ ق : ٣٨، ٣٩ ] بعد أن قال قبل هذا :﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِى البلاد هَلْ مِن مَّحِيصٍ إِنَّ فِى ذلك لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ ق : ٣٦، ٣٧ ] فأخبرهم بأنه قد أهلك من المشركين به والمكذبين لأنبيائه من كان أقوى بطشاً من مشركي العرب، إلا أنه أمهل هؤلاء لما فيه من المصلحة، كما خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام متصلة لا لأجل لغوب لحقه في الإمهال، ولما بين بهذا الطريق أنه تعالى إنما خلق العالم لا دفعة لكن قليلاً قليلاً قال بعده :﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ من الشرك والتكذيب ولا تستعجل لهم العذاب بل توكل على الله تعالى وفوض الأمر إليه، وهذا معنى ما يقوله المفسرون من أنه تعالى إنما خلق العالم في ستة أيام ليعلم عباده الرفق في الأمور والصبر فيها ولأجل أن لا يحمل المكلف تأخر الثواب والعقاب على الإهمال والتعطيل.
ومن العلماء من ذكر فيه وجهين آخرين :


الصفحة التالية
Icon