وأما أهل النفي والجحود فيقولون : لا هو داخل العالم، ولا خارج، ولا مباين له، وهذا قول متكلمة الجهمية المعطلة، كما أن الأول عَبَّاد الجهمية. فمتكلمة الجهمية لا يبعدون شيئاً، ومتعبدة الجهمية يعبدون كل شيء، وكلامهم يرجع إلى التعطيل والجحود، الذي هو قول فرعون.
وقد علم أن الله تعالى كان قبل أن يخلق السموات والأرض، ثم خلقها، فإما أن يكون دخل فيهما، وهذا حلول باطل، وإما أن يكونا دخلا فيه، وهو أبطل وأبطل، وإما أن يكون الله سبحانه بائناً عنهما، لم يدخل فيهما، ولم يدخل فيه، وهذا قول أهل الحق والتوحيد والسنة.
ولأهل الجحود والتعطيل في هذا الباب شبهات يعارضون بها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله ﷺ، وما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وما فطر الله تعالى عليه عباده، وما دلت عليه الدلائل العقلية الصحيحة، فإن هذه الأدلة كلها متفقة على أن الله تعالى فوق مخلوقاته، عال عليها، قد فطر الله تعالى على ذلك العجائز والأعراب والصبيان في الكتاب، كما فطرهم على الإقرار بالخالق تعالى.
وقد قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح :
< كل مولود يولد على الفطرة، فأبوه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء ؟ > ثم قال أبو هريرة رضي الله عنه : إقرؤوا إن شئتم :﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَر َالنَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه ﴾ وهذا معنى قول عُمَر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى عليه، فإن الله سبحانه فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها.
وأما أعداء الرسل كالجهمية الفرعونية و نحوهم، فيريدون أن يغيروا فطرة الله تعالى، ودينه عز وجل، ويوردون على الناس شبهات بكلمات مشتبهات، لا