ومعلوم بالإضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز نفي صفات الله تعالى لنفسه من الأسماء الحسنى والصفات، بل هذه جحد للخالق، وتمثيل له بالمعدومات. وقد قال ابن عبد البر : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها، وحملها على الحقيقة لا على المجاز، لأنهم لا ينفون شيئاً من ذلك، ولا يجدون فيه صفة محصورة، وأما أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والخوارج، فينكرونها ولا يحملونها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أقرَّ بها، نافون للمعبود، لا مثبتون، والحق فيما قاله القائلون، مما نطق به الكتاب والسنة، وهم أئمة الجماعة. هذا الذي حكاه ابن عبد البر.
ومن أنكر أن يكون شيء من هذه الأسماء والصفات حقيقة، فإنما أنكر لجهله لمسمى الحقيقة، أو لكفره وتعطيله لما يستحقه رب العالمين، وذلك أنه قد نظن أن إطلاق ذلك يقتضي أن يكون المخلوق مماثلاً للخالق، فيقال له : هذا باطل، فإن الله موجود حقيقة، والعبد موجود حقيقة، وله تعالى ذات حقيقة، والعبد له ذات حقيقة، وليس ذاته تعالى كذات المخلوقات، وكذلك له علم وسمع وبصر حقيقة، وللعبد سمع وبصر، وعلم حقيقة، وليس علمه وسمعه وبصره مثل علم العبد وسمعه وبصره.
ولله كلام حقيقة، وليس كلام الخالق مثل كلام المخلوقين.
والله استوى على عرشه حقيقة، وللعبد استواء على الفلك حقيقة، وليس استواء الخالق كاستواء المخلوق، فإن الله لا يفتقر إلى شيء، ولا يحتاج إلى شيء، بل هو الغني عن كل شيء، والله تعالى يحمل العرش وحملته، بقدرته و
﴿ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا ﴾.