وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس، مثل أكثر التأويلات التي ذكرها أبو بكر بن فورك في كتاب " التأويلات "، وذكرها أبو عبد الله محمد بن عُمَر الرازي في كتابه الذي سماه " تأسيس التقديس " ويوجد كثير منها في كلام خلق غير هؤلاء، مثل أبي علي الجبائي وعبد الجبار بن أحمد الهمداني، وأبي الحسين البصري وابن عقيل وأبي حامد
الغزالي وغيرهم، وهي بعينها التأويلات التي ذكرها بشر المريسي في كتابه، وإن كان قد يوجد في كلام هؤلاء رد التأويل وإبطاله أيضاً، ولهم كلام حسن في أشياء، فإنما بيَّنت أن عين تأويلاتهم هي عين تأويلات المريسي. وعلمنا ذلك بكتاب " الرد " الذي صنفه عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة المشاهير في زمن البخاري، صنف كتاباً سماه " نقض عثمان بن سعيد، على الكاذب العنيد، فيما افترى على الله في التوحيد " حكى فيه هذه التأويلات بأعيانها عن بشر المريسي، بكلام يقتضي أن المريسي أقعد بها، وأعلم بالمعقول والمنقول من هؤلاء المتأخرين الذي اتصلت إليهم من جهته، ثم ردها عثمان بن سعيد بكلام إذا طالعه العاقل الذكيّ، علم حقيقة ما كان عليه السلف فتبين له ظهور الحجة لطريقهم، وضعف حجة من خالفهم.
ثم إذا رأى الأئمة - أئمة الهدى - قد أجمعوا على ذم المريسية، وأكثرهم كفّروهم، أو ضللوهم، وعلم أن هذا القول الساري في هؤلاء المتأخرين، هو مذهب المريسي تبين له الهدى لمن يريد الله هدايته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم قال رضي الله عنه :
مذهب السلف بين التعطيل وبين يمثلون صفات الله بصفات خلقه، كما لا يمثلون ذاته بذات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، فيعطلون أسماءه الحسنى، وصفاته العليا، ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويلحدون في أسماء الله وآياته.


الصفحة التالية
Icon