ثم إن منهم من رأى أنه هو الذي يحرك الأفلاك كلها، فجعلوه مبدأ الحوادث، وربما سماه بعضهم الروح أو النفس. وجعله بعضهم هو اللوح المحفوظ، وبعض الناس ادعى أنه علم ذلك بطريق الكشف، وذلك غير صحيح، بل أخذه من هؤلاء المتفلسفة، كما فعل أصحاب " رسائل إخوان الصفاء ".
والأخبار تدل أن العرش مباين لغيره من المخلوقات، وأنه قبل السموات والأرض. فقد ثبت في صحيح
البخاري أنه ﷺ قال :< كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض، وأن له قوائم > كما في حديث أبي سعيد :< فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش >.
وقد استدل من قال إنه مقبب، بما رواه أبو داود من قوله عليه الصلاة والسلام < وإن الله تعالى على عرشه، وإن عرشه على سمواته، وسمواته فوق أرضه هكذا، وقال بأصابعه مثل القبة >.
وهذا لا يدل على أنه فلك من الأفلاك، ولا مستدير مثل ذلك، لكن لفظ القبة يستلزم استدارة من العلو، لا من جميع الجوانب، إلا بدليل منفصل، ولفظ الفلك يستدل به على الإستدارة مطلقاً، كما قال ابن عباس في :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ ﴾ : في فلكة مثل فلكة المغزل، وأما لفظ القبة فإنه لا يتعرض لهذا المعنى، لا بنفي ولا إثبات، لكن يدل على الإستدارة من العلو.
واعلم أن العرش، وسواء كان هذا الفلك التاسع، أو جسماً محيطاً به أو كان فوقه من جهة وجه الأرض، محيط به، أو قيل فيه غير ذلك، فيجب أن يعلم أن العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق تعالى في غاية الصغر، كما قال تعالى :
﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.
وفي الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال :< يقبض الله تبارك وتعالى الأرض