فأما الناحية الأخرى منها فالبحر محيط بها، وليس هناك شيء من الآدميين وما يتبعهم، ولو قدر أن هناك أحداً، لكان على ظهر الأرض، ولم يكن مَن في هذه الجهة تحت مَن في هذه الجهة، ولا مَن في هذه تحت مَن في هذه. كما أن الأفلاك محيطة بالمركز، وليس أحد جانبي الفلك تحت الآخر، ولا القطب الشمالي تحت الجنوبي، ولا بالعكس، وإن كان الشمالي هو الظاهر لنا بحسب بعد الناس عن خط الإستواء، فما كان بعده عن خط الاستواء ثلاثين درجة مثلاً، كان ارتفاع القطب عنده ثلاثين درجة، وهوالذي يسمى عرض البلد، فكما أن جوانب الأرض المحيطة بها، وجوانب الفلك المستدير ليس بعضها فوق بعض ولا تحته، فكذلك من يكون على الأرض لا يقال إنه تحت أولئك، وإنما هذا جبال يتخيله الْإِنْسَاْن، وهو تحت إضافي.
كما لو كانت نملة تمشي تحت سقف، فالسقف فوقها، وإن كانت رجلاه تلي السماء، وكذلك قد يتوهم الْإِنْسَاْن إذا كان في أحد جانبي الأرض أو الفلك، أن الجانب الآخر تحته، وهذا أمر لا يتنازع فيه اثنان ممن يقول إن الأفلاك مستديرة، وهذا كما أنه قول أهل الهيئة والحساب، فهو الذي عليه علماء المسلمين، كما ذكره أبو الحسن المناوي وأبو محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم، وهو المأخوذ من قول ابن عباس وغيره.
ومن ظن أن من يكون في الفلك من ناحية يكون تحته من في الفلك من الناحية الأخرى في نفس الأمر، فهو متوهم عندهم.
فإذا كان الأمر كذلك، فإذا قدر أن العرش مستدير محيط بالمخلوقات كان هو أعلاها، وسقفها وهو فوقها مطلقاً، فلا يتوجه إليه وإلى ما فوقه الْإِنْسَاْن إلا من العلو.
ومن توجه إلى الفلك الثامن أو التاسع مثلاً من غير جهة العلوّ،


الصفحة التالية
Icon