وحدث الإدلاء، الذي رواه أبو هريرة وأبو ذر، قد رواه الترمذي وغيره من
حديث الحسن عن أبي هريرة، وهو منقطع، فإن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ولكن يقويه حديث أبي ذر المرفوع. فإن كان ثابتاً، فمعناه موافق لهذا، فإن قوله ﷺ :< لو أدلى أحدكم بحبل لهبط على الله >، إنما هو تقدير مفروض، أي : لو وقع الإدلاء لوقع عليه، لكن لا يمكن أن يدلي أحد على الله عز وجل شيئاً، لأنه عال بالذات، وإذا أُهبط شيء إلى جهة الأرض وقف في المركز، والمقصود بيان إحاطة الخالق سبحانه، كما بين أنه يقبض السموات، ويطوي الأرض، ونحو ذلك مما فيه بيان إحاطته تعالى، ولهذا قرأ في تمام الحديث :
﴿ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ وهذا كله على تقدير صحته، فإن الترمذي لما رواه قال : وفسره بعض أهل العلم بأنه هبط على علم الله.
وبعض الحلولية والإتحادية يظن أن فيه ما يدل على زعمه الباطل من أنه سبحانه حال بذاته في كل مكان، أو أن وجوده وجود الأمكنة ونحو ذلك.
وكذلك تأويله بالعلم غير مستقيم، بل على تقدير ثبوته، فالمراد به الإحاطة، ونحن لا نتكلم إلا بما نعلم، وما لم نعلمه أمسكنا عنه، وقد فطر الله تعالى الناس على التوجه في الدعاء إلى جهة العلو، وقال تعالى :﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلِدّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّه الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ﴾ فجاءت الشريعة بالعبادة والدعاء بما يوافق الفطرة.
وقد ثبت في الصحيحين أنه ﷺ قال :< إذ قام أحدكم إلى الصلاة فلا
يبصق قِبل وجهه، فإن الله تعالى قبل وجهه، ولا عن يمينه فإن يمينه ملكاً، وليبصق عن يساره أو تحت رجله >.


الصفحة التالية
Icon