﴿ والشمس والقمر والنجوم ﴾ بالنّصب في قراءة الجمهور معطوفات على السّماوات والأرض، أي وخلق الشّمسَ والقمر والنّجوم، وهي من أعظم المخلوقات التي اشتملت عليها السّماوات.
و﴿ مسخرات ﴾ حال من المذكورات.
وقرأ ابن عامر برفع ﴿ الشمس ﴾ وما عطف عليه ورفْععِ ﴿ مسخرات ﴾، فتكون الجملة حالا من ضمير اسم الجلاله كقوله :﴿ يغشى الليل النهار ﴾.
وتقدّم الكلام على اللّيل والنّهار عند قوله تعالى :﴿ إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار ﴾ في سورة البقرة ( ١٦٤ ) ويأتي في سورة الشّمس.
والتّسخير حقيقته تذلِيل ذي عمل شاققٍ أو شاغلٍ بقهر وتخويف أو بتعليم وسياسة بدون عوض، فمنه تسخير العبيد والأسرى، ومنه تسخير الأفراس والرّواحل، ومنه تسخير البقر للحلب، والغنم للجزّ.
ويستعمل مجازاً في تصريف الشّيء غير ذي الإرادة في عمل عجيب أو عظيم من شأنه أن يصعب استعماله فيه، بحيلة أو إلهام تصريفاً يصيّره من خصائصه وشؤونه، كتسخير الفُلك للمخر في البحر بالرّيح أو بالجذف، وتسخير السّحاب للأمطار، وتسخير النّهار للعمل، واللّيل للسّكون، وتسخير اللّيل للسّير في الصّيف، والشّمس للدّفء في الشّتاء، والظلّ للتبرد في الصّيف، وتسخير الشّجر للأكل من ثماره حيث خلق مجرّداً عن موانع تمنع من اجتنائه مثل الشّوك الشّديد، فالأسد غير مسخّر بهذا المعنى ولكنّه بحيث يسخر إذا شاء الإنسان الانتفاع بلحمه أو جلده بحيلة لصيده بزُبية أو نحوها، ولذلك قال الله تعالى :﴿ وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه ﴾ [ الجاثية : ١٣ ] باعتبار هذا المجاز على تفاوت في قوّة العلاقة.
فقوله :﴿ والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ﴾ أطلق التّسخير فيه مجازاً على جعلها خاضعة للنّظام الذي خلقها الله عليه بدون تغيير، مع أنّ شأن عظمها أن لا يستطيعَ غيره تعالى وضعها على نظام محدود منضبط.


الصفحة التالية
Icon