نعلم أن هناك فرقاً بين ميلاد الشيء وبين تهيئته للميلاد. وكنا قد ضربنا المثل سابقا - ولله المثل الأعلى - بصانع الزبادي، الذي يأتي بأكواب اللبن الدافئ، ثم يضع في كل منها جزءا من خميرة الزبادي، ويضع تلك الأكواب في الجو المناسب. فهل يؤدي هذا الرجل عملاً لمدة أثنتي عشرة ساعة في كل كوب، وهي المدة اللازمة لتخمر الكوب؟.. طبعاً لا، فقد اكتفى بأن في كل كوب عناصر التخمر لتتفاعل بذاتها إلى أن تنضج.
ولنظر إلى خلق الجنين من تزاوج بويضة وحيوان منوي. ويأخذ الأمر تسعة شهور وسبحانه جل جلاله لا يعمل في خلق الجنين تسعة شهور، لكنه يترك الأمر ليأخذ مراحل تفاعلاته.
إذن فخلق الله السموات والأرض في ستة أيام لا يعني أن الستة أيام كلها كانت مشغولة بالخلق، بل قال سبحانه :" كن " وبعد ذلك ترك مكونات السموات والأرض لتأخذ قدرها ومراحلها ؛ لأن ميلادها سيكون بعد ستة أيام. وفي القرآن آية من الآيات أعطتنا لمحة عن هذه المسألة، فقال سبحانه :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾
[ ق : ٣٨ ]
أي خلق سبحانه السموات والأرض دون تعب ؛ لأنه لا يعالج مسألة الخلق، بل إنما يحدث ذلك بأمر " كن " فكانت السموات والأرض. والآية التي بعدها فوراً تقول :﴿ فاصبر على مَا يَقُولُونَ ﴾
وكأن قوله سبحانه هنا جاء لتسلية الرسول ﷺ موضحاً له : إنهم يكذبونك وقد ترغب في أن نأخذهم أخذ عزيز مقتدر. لكن الحق جعل لكل مسألة كتاباً، فهو قد خلق السموات والأرض في ستة أيام. ونحن في حياتنا نقول لمن يتعجل أمراً : يا سيدي إن ربنا خلق السماء والأرض في ستة أيام. فلا تتعجل الأمور.